فصل
قال الفخر :
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾
اعلم أن هذه الآية من المهمات التي يجب الاعتناء بالبحث عنها وفي هذه الآية مسائل :
المسألة الأولى :
في أنه عليه السلام هل صدر عنه ذنب أم لا ؟ وفي هذه المسألة قولان : الأول : أن يوسف عليه السلام هم بالفاحشة.
قال الواحدي في كتاب "البسيط" قال المفسرون : الموثوق بعلمهم المرجوع إلى روايتهم هم يوسف أيضاً بهذه المرأة هما صحيحاً وجلس منها مجلس الرجل من المرأة، فلما رأى البرهان من ربه زالت كل شهوة عنه. (١)
قال جعفر الصادق رضي الله عنه بإسناده عن علي عليه السلام أنه قال : طمعت فيه وطمع فيها فكان طمعه فيها أنه هم أن يحل التكة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حل الهميان وجلس منها مجلس الخائن وعنه أيضاً أنها استلقت له وجلس بين رجليها ينزع ثيابه، ثم إن الواحدي طول في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب، وما ذكر آية يحتج بها ولا حديثاً صحيحاً يعول عليه في تصحيح هذه المقالة، وما أمعن النظر في تلك الكلمات العارية عن الفائدة روي أن يوسف عليه السلام لما قال :﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ [ يوسف : ٥٢ ] قال له جبريل عليه السلام ولا حين هممت يا يوسف فقال يوسف عند ذلك :﴿وَمَا أُبَرّىء نَفْسِى﴾ [ يوسف : ٥٣ ] ثم قال والذين أثبتوا هذا العمل ليوسف كانوا أعرف بحقوق الأنبياء عليهم السلام وارتفاع منازلهم عند الله تعالى من الذين نفوا لهم عنه، فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب.
والقول الثاني : أن يوسف عليه السلام كان بريئاً عن العمل الباطل، والهم المحرم، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين، وبه نقول وعنه نذب.
واعلم أن الدلائل الدالة على وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام كثيرة، ولقد استقصيناها في سورة البقرة في قصة آدم عليه السلام فلا نعيدها إلا أنا نزيد ههنا وجوهاً :
________
(١) يكفى فى دحض هذه الفرية ودفع هذا الافتراء أن الله تعالى مدحيوسف ـ عليه السلام ـ فى أول الآيات بقوله ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) ﴾
وفى آخرها بقوله ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾
أيمدح على همه ومسارعته لارتكاب الفاحشة أم على العفة والامتناع
ومنها : قوله عليه السلام فى أول الأمر ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾
أيتصور أن يضعف أمام الشهوة ولا يفى بما قطعه على نفسه وينسى اللجوء إلى الله، حاشاه أن يفعل وهو الذى قال ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ وكان بإمكانه أن يسأل الله تعالى المعافاة.
وأترك المجال لسادتنا المفسرين لدحض ما ذكر من إسرائيليات وأساطير لاتليق بآحاد المتقين فكيف بنبى كيوسف عليه السلام الذى أخبر عنه رسول الله ـ ﷺ ـ الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ـ صلى الله وسلم وبارك عليهم وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلمـ والله أعلم وأحكم.