فصل
قال الفخر :
﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ﴾
اعلم أنه تعالى لما حكى عنها أنها ﴿هَمَّتْ﴾ أتبعه بكيفية طلبها وهربه فقال :﴿واستبقا الباب﴾ والمراد أنه هرب منها وحاول الخروج من الباب وعدت المرأة خلفه لتجذبه إلى نفسها، والاستباق طلب السبق إلى الشيء، ومعناه تبادر إلى الباب يجتهد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه فإن سبق يوسف فتح الباب وخرج، وإن سبقت المرأة أمسكت الباب لئلا يخرج، وقوله :﴿واستبقا الباب﴾ أي استبقا إلى الباب كقوله :﴿واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] أي من قومه.
واعلم أن يوسف عليه السلام سبقها إلى الباب وأراد الخروج والمرأة تعدو خلقه فلم تصل إلا إلى دبر القميص فقدته، أي قطعته طولاً، وفي ذلك الوقت حضر زوجها وهو المراد من قوله ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لدى الباب﴾ أي صادفا بعلها تقول المرأة لبعلها سيدي، وإنما لم يقل سيدهما لأن يوسف عليه السلام ما كان مملوكاً لذلك الرجل في الحقيقة، فعند ذلك خافت المرأة من التهمة فبادرت إلى أن رمت يوسف بالفعل القبيح، وقالت :﴿مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ والمعنى ظاهر.
وفي الآية لطائف : إحداها : أن "ما" يحتمل أن تكون نافية، أي ليس جزاؤه إلا السجن، ويجوز أيضاً أن تكون استفهامية يعني أي شيء جزاؤه إلا أن يسجن كما تقول : من في الدار إلا زيد.
وثانيها : أن حبها الشديد ليوسف حملها على رعاية دقيقتين في هذا الموضع وذلك لأنها بدأت بذكر السجن، وأخرت ذكر العذاب، لأن المحب لا يسعى في إيلام المحبوب، وأيضاً أنها لم تذكر أن يوسف يجب أن يعامل بأحد هذين الأمرين، بل ذكرت ذلك ذكراً كلياً صوناً للمحبوب عن الذكر بالسوء والألم، وأيضاً قالت :﴿إِلا أَن يُسْجَنَ﴾ والمراد أن يسجن يوماً أو أقل على سبيل التخفيف.