واعلم أن المرأة لما قالت :﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن الصاغرين﴾ [ يوسف : ٣٢ ] وسائر النسوة سمعن هذا التهديد فالظاهر أنهن اجتمعن على يوسف عليه السلام وقلن لا مصلحة لك في مخالفة أمرها وإلا وقعت في السجن وفي الصغار فعند ذلك اجتمع في حق يوسف عليه السلام أنواع من الوسوسة : أحدها : أن زليخا كانت في غاية الحسن.
والثاني : أنها كانت ذات مال وثروة، وكانت على عزم أن تبذل الكل ليوسف بتقدير أن يساعدها على مطلوبها.
والثالث : أن النسوة اجتمعن عليه وكل واحدة منهن كانت ترغبه وتخوفه بطريق آخر، ومكر النساء في هذا الباب شديد، والرابع : أنه عليه السلام كان خائفاً من شرها وإقدامها على قتله وإهلاكه، فاجتمع في حق يوسف جميع جهات الترغيب على موافقتها وجميع جهات التخويف على مخالفتها، فخاف عليه السلام أن تؤثر هذه الأسباب القوية الكثيرة فيه.
واعلم أن القوة البشرية والطاقة الإنسانية لا تفي بحصول هذه العصمة القوية، فعند هذا التجأ إلى الله تعالى وقال :﴿رَبّ السجن أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ﴾ وقرىء ﴿السجن﴾ بالفتح على المصدر، وفيه سؤالان :
السؤال الأول : السجن في غاية المكروهية، وما دعونه إليه في غاية المطلوبية، فكيف قال : المشقة أحب إلي من اللذة ؟
والجواب : أن تلك اللذة كانت تستعقب آلاماً عظيمة، وهي الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة، وذلك المكروه وهو اختيار السجن كان يستعقب سعادات عظيمة، وهي المدح في الدنيا والثواب الدائم في الآخرة، فلهذا السبب قال :﴿السجن أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ ﴾.
السؤال الثاني : أن حبسهم له معصية كما أن الزنا معصية، فكيف يجوز أن يحب السجن مع أنه معصية.