وقال ابن عطية :
﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ﴾
ذكر الفعل المسند إلى " النسوة " لتذكير اسم الجمع و﴿ نسوة ﴾ جمع قلة لا واحد له من لفظه، وجمع التكثير نساء، و﴿ نسوة ﴾ فعلة، وهو أحد الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد، وقد نظمها القائل ببيت شعر :[ البسيط ]
بأفعل وبأفعال وأفعلة... وفعلة يعرف الأدنى من العدد
ويروى أن هؤلاء النسوة كن أربعاً : امرأة خبازة، وامرأة ساقية، وامرأة بوابة، وامرأة سجانة. و﴿ العزيز ﴾ : الملك ومنه قول الشاعر :[ الرمل ]
درة غاص عليها تاجر... جلبت عند عزيز يوم طل
و" الفتى " الغلام، وعرفه في المملوك - وقد قال رسول الله ﷺ :" لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، وليقل فتأي وفتاتي "، ولكنه قد يقال في غير المملوك، ومنه ﴿ إذ قال موسى لفتاه ﴾ [ الكهف : ٦٠ ] وأصل " الفتى " في اللغة الشاب، ولكن لما كان جل الخدمة شباباً استعير لهم اسم الفتى. و﴿ شغفها ﴾ معناه : بلغ حتى صار من قلبها موضع الشغاف، وهو على أكثر القول غلاف من أغشية القلب، وقيل :" الشغاف " : سويداء القلب، وقيل : الشغاف : داء يصل إلى القلب.
وقرأ أبو رجاء والأعرج وعلي بن أبي طالب والحسن بخلاف ويحيى بن يعمر وقتادة بخلاف وثابت وعوف ومجاهد وغيرهم :" قد شغفها " بالعين غير منقوطة، ولذلك وجهان :
أحدهما أنه علا بها كل مرقبة من الحب، وذهب بها كل مذهب، فهو مأخوذ - على هذا - من شعف الجبال وهي رؤوسها وأعاليها، ومنه قول النبي ﷺ :" يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ".
والوجه الآخر أن يكون الشعف لذة بحرقة يوجد من الجراحات والجرب ونحوها ومنه قول امرىء القيس :[ الطويل ]
أيقتلني وقد شعفت فؤادها... كما شَعَفَ المهنوءةَ الرجلُ الطالي