الثاني : لعله عليه السلام أراد أن يبين أن درجته في العلم أعلى وأعظم مما اعتقدوا فيه، وذلك لأنهم طلبوا منه علم التعبير، ولا شك أن هذا العلم مبني على الظن والتخمين، فبين لهما أنه لا يمكنه الإخبار عن الغيوب على سبيل القطع واليقين مع عجز كل الخلق عنه، وإذا كان الأمر كذلك فبأن يكون فائقاً على كل الناس في علم التعبير كان أولى، فكان المقصود من ذكر تلك المقدمة تقرير كونه فائقاً في علم التعبير واصلاً فيه إلى ما لم يصل غيره، والثالث : قال السدي :﴿لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾ في النوم بين ذلك أن علمه بتأويل الرؤيا ليس بمقصور على شيء دون غيره، ولذلك قال :﴿إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ الرابع : لعله عليه السلام لما علم أنهما اعتقدا فيه وقبلا قوله : فأورد عليهما ما دل على كونه رسولاً من عند الله تعالى، فإن الاشتغال بإصلاح مهمات الدين أولى من الاشتغال بمهمات الدنيا، والخامس : لعله عليه السلام لما علم أن ذلك الرجل سيصلب اجتهد في أن يدخله في الإسلام حتى لا يموت على الكفر، ولا يستوجب العقاب الشديد ﴿لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ ويحيى مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ﴾ [ الأنفال : ٤٢ ] والسادس : قوله :﴿لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ محمول على اليقظة، والمعنى : أنه لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا أخبرتكما أي طعام هو، وأي لون هو، وكم هو، وكيف يكون عاقبته ؟ أي إذا أكله الإنسان فهو يفيد الصحة أو السقم، وفيه وجه آخر، قيل : كان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً فأرسله إليه، فقال يوسف لا يأتيكما طعام ألا أخبرتكما أن فيه سماً أم لا، هذا هو المراد من قوله :﴿لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ وحاصله راجع إلى أنه ادعى الإخبار عن الغيب، وهو يجري مجرى قوله عيسى عليه السلام،


الصفحة التالية
Icon