الجواب : أن أصناف الشرك كثيرة، فمنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد النار، ومنهم من يعبد الكواكب، ومنهم من يعبد العقل والنفس والطبيعة، فقوله :﴿مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَىْء﴾ رد على كل هؤلاء الطوائف والفرق، وإرشاد إلى الدين الحق، وهو أنه لا موجد إلا الله ولا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله.
ثم قال :﴿ذلك مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى الناس﴾ وفيه مسألة.
وهي أنه قال :﴿مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَىْء ﴾.
ثم قال :﴿ذلك مِن فَضْلِ الله﴾ فقوله :﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما تقدم من عدم الإشراك، فهذا يدل على أن عدم الإشراك وحصول الإيمان من الله.
ثم بين أن الأمر كذلك في حقه بعينه، وفي حق الناس.
ثم بين أن أكثر الناس لا يشكرون، ويجب أن يكون المراد أنهم لا يشكرون الله على نعمة الإيمان، حكي أن واحداً من أهل السنة دخل على بشر بن المعتمر، وقال : هل تشكر الله على الإيمان أم لا.
فإن قلت : لا، فقد خالفت الإجماع، وإن شكرته فكيف تشكره على ما ليس فعلاً له، فقال له بشر إنا نشكره على أنه تعالى أعطانا القدرة والعقل والآلة، فيجب علينا أن نشكره على إعطاء القدرة والآلة، فأما أن نشكره على الإيمان مع أن الإيمان ليس فعلاً له، فذلك باطل، وصعب الكلام على بشر، فدخل عليهم ثمامة بن الأشرس وقال : إنا لا نشكر الله على الإيمان، بل الله يشكرنا عليه كما قال :﴿أولئك كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ [ الإسراء : ١٩ ] فقال بشر : لما صعب الكلام سهل.
واعلم أن الذين ألزمه ثمامة باطل بنص هذه الآية، وذلك لأنه تعالى بين أن عدم الإشراك من فضل الله، ثم بين أن أكثر الناس لا يشكرون هذه النعمة، وإنما ذكره على سبيل الذم فدل هذا على أنه يجب على كل مؤمن أن يشكر الله تعالى على نعمة الإيمان وحينئذ تقوى الحجة وتكمل الدلالة.


الصفحة التالية
Icon