فلا أمر لأحد معه ﴿بها﴾ وأعرق في النفي فقال :﴿من سلطان﴾ أي برهان تتسلط به على تعظيمها، فانتفى تعظيمها لذاتها أو لغيرها، وصار حاصل الدليل : لو كانوا أحياء يحكمون لم يصلحوا للإلهية، لإمكان تمانعهم المؤدي إلى إمكان عجز كل منهم الملزوم لأنهم لأ صلاحية فيهم للإلهية، لكنهم ليسوا أحياء، فهم أجدر بعدم الصلاحية، فعلم قطعاً أنه لا حكم لمقهور، وأن كل من يمكن أن يكون له ثان مقهور ؛ فأنتج هذا قطعاً أن الحكم إنما هو لله الواحد القهار، وهو لم يحكم بتعظيمها ؛ وذلك معنى قوله :﴿إن﴾ أي ما ﴿الحكم إلاّ لله﴾ أي المختص بصفات الكمال ؛ والحكم : فصل الأمر بما تدعو إليه الحكمة.
ولما انتقى الحكم عن غيره، وكان ذلك كافياً في وجوب توحيده، رغبة فيما عنده، ورهبة مما بيده، أتبعه تأكيداً لذلك وإلزاماً به أنه حكم به، فقال :﴿أمر ألا تعبدوا﴾ أي أيها الخلق في وقت من الأوقات على حال من الأحوال ﴿إلا إياه﴾ أي وهو النافذ الأمر المطاع الحكم.
ولما قام هذا الدليل على هذا الوجه البين، كان جديراً بالإشارة إلى فضله، فأشار إليه بأداة البعد، تنبيهاً على علو مقامه وعظيم شأنه فقال :﴿ذلك﴾ أي الشأن الأعظم، وهو توحيده وإفراده عن خلقه ﴿الدين القيم﴾ أي الذي لا عوج فيه فيأتيه الخلل من جهة عوجه، الظاهر أمره لمن كان له قلب ﴿ولكن أكثر الناس﴾ أي لما لهم الاضطراب مع الحظوظ ﴿لا يعلمون﴾ أي ليس لهم علم، لأنهم لا ينتفعون بعقولهم، فكأنهم في عداد البهائم العجم، فلأجل ذلك هم لا يفردون الله بالعبادة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٤١ ـ ٤٢﴾


الصفحة التالية
Icon