الحجة الخامسة : وهي شريفة عالية، وذلك لأن شرط القهار أن لا يقهره أحد سواه وأن يكون هو قهاراً لكل ما سواه وهذا يقتضي أن يكون الإله واجب الوجود لذاته إذ لو كان ممكناً لكان مقهوراً لا قاهراً ويجب أن يكون واحداً، إذ لو حصل في الوجود واجبان لما كان قاهراً لكل ما سواه، فالإله لا يكون قهاراً إلا إذا كان واجباً لذاته وكان واحداً، وإذا كان المعبود يجب أن يكون كذلك فهذا يقتضي أن يكون الإله شيئاً غير الفلك وغير الكواكب وغير النور والظلمة وغير العقل والنفس.
فأما من تمسك بالكواكب فهي أرباب متفرقون وهي ليست موصوفة بأنها قهارة، وكذا القول في الطبائع والأرواح والعقول والنفوس فهذا الحرف الواحد كاف في إثبات هذا التوحيد المطلق وأنه مقام عال فهذا مجموع الدلائل المستنبطة من هذه الآية بقي فيها سؤالان :
السؤال الأول : لم سماها أرباباً وليست كذلك.
والجواب : لاعتقادهم فيها أنها كذلك، وأيضاً الكلام خرج على سبيل الفرض والتقدير : والمعنى أنها إن كانت أرباباً فهي خير أم الله الواحد القهار.
السؤال الثاني : هل يجوز التفاضل بين الأصنام وبين الله تعالى حتى يقال إنها خير أم الله الواحد القهار ؟
الجواب : أنه خرج على سبيل الفرض، والمعنى : لو سلمنا أنه حصل منها ما يوجب الخير فهي خير أم الله الواحد القهار.
ثم قال :﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سلطان﴾ وفيه سؤال : وهو أنه تعالى قال فيما قبل هذه الآية :﴿مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار مَا﴾ وذلك يدل على وجود هذه المسميات.
ثم قال عقيب تلك الآية :﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا﴾ وهذا يدل على أن المسمى غير حاصل وبينهما تناقض.