يريد يا صاحبيَّ في السجن فأضافهما إلى السجن كما تقول يا سارق الليلة لأن الليلة مسروق فيها غير مسروقة ويجوز أن يريد يا ساكني السجن كقوله أصحاب النار وأصحاب الجنة ﴿ أأرباب متفرقون ﴾ يعني أآلهة شتى من ذهب وفضة وصفر وحديد وحشب وحجارة وغير ذلك وصغير وكبير ومتوسط متباينون في الصفة وهي مع ذلك لا تضر ولا تنفع ﴿ خير أم الله الواحد القهار ﴾ يعني أن هذه الأصنام أعظم صفة في المدح واستحقاق اسم الإلهية والعبادة أم الله الواحد القهار، قال الخطابي : الواحد هو الفرد الذي لم يزل وحده وقيل هو المنقطع عن القرين والمعدوم الشريك والنظير وليس هو كسائر الآحاد من الأجسام المؤلفة لأن ذلك قد يكثر بانضمام بعضها إلى بعض والواحد ليس كذلك فهو الله الواحد الذي لا مثل له ولا يشبهه شيء من غيره : القهار هو الذي قهر كل شيء وذلله فاستسلم وانقاد وذل له، والمعنى أن هذه الأصنام التي تعبدونها ذليلة مقهورة إذا أراد الإنسان كسرها وإهانتها قدر عليه والله هو الواحد في ملكه القهار لعباده الذي لا يغلبه شيء وهو الغالب لكل شيء سبحانه وتعالى ثم بين عجز الأصنام وأنها لا شيء البتة فقال ﴿ ما تعبدون من دونه ﴾ يعني من دون الله وإنما قاله تعبدون بلفظ الجمع وقد ابتدأ بالتثنية في المخاطبة لأنه أراد جميع من في السجن من المشركين ﴿ إلا أسماء سميتموها ﴾ يعني سميتموها آلهة وأرباباً وهي حجارة جمادات خالية عن المعنى لا حقيقة لها ﴿ أنتم وآباؤكم ﴾ يعني من قبلكم سموها آلة ﴿ ما أنزل الله بها من سلطان ﴾ يعني أن تسمية الأصنام آلهة لا حجة لكم بها ولا برهان ولا أمر الله بها وذلك أنهم كانوا يقولون إن الله أمرنا بهذه التسمية فرد الله عليهم بقوله :﴿ ما أنزل الله بها من سلطان أن الحكم إلا لله ﴾ يعني أن الحكم والقضاء والأمر والنهي لله تعالى لا شريك له في ذلك ﴿ أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ﴾ لأنه هو المستحق للعبادة لا هذه الأصنام التي سميتموها آلهة {


الصفحة التالية
Icon