وقال أبو السعود :
﴿ يا صاحبى السجن ﴾
أي يا صاحبيَّ في السجن كما تقول : يا سارق الليلةِ ناداهما بعنوان الصحبة في مدار الأشجانِ ودارِ الأحزان التي تصفو فيها المودةُ وتخلُص النصيحةُ ليُقبِلا عليه ويَقبَلا مقالتَه وقد ضرب لهما مثلاً يتضح به الحقُّ عندهما حقَّ اتضاحٍ فقال :﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ ﴾ لا ارتباطَ بينهم ولا اتفاقَ يستعبدُ كما كلٌّ منهم حسبما أراد غيرَ مراقب للآخَرين مع عدم استقلاله ﴿ خَيْرٌ ﴾ لكما ﴿ أَمِ الله ﴾ المعبودُ بالحق ﴿ الواحد ﴾ المتفرد بالألوهية ﴿ القهار ﴾ الغالبُ الذي لا يغالبه أحدٌ. وبعد ما نبههما على فساد تعددِ الأرباب بين لهما سقوطَ ألهتِهما عن درجة الاعتبار رأساً فضلاً عن الألوهية فقال معمّماً للخطاب لهما ولمن على دينهما :﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ ﴾ أي من دون الله شيئاً ﴿ إِلاَّ أَسْمَاءً ﴾ فارغةً لا مطابقَ لها في الخارج لأن ما ليس فيه مصداقُ إطلاقِ الاسم عليه لا وجودَ له أصلاً فكانت عبادتُهم لتلك الأسماء فقط ﴿ سَمَّيْتُمُوهَا ﴾ جعلتموها أسماءً وإنما لم يَذكُر المسمَّياتِ تربيةً لما يقتضيه المقامُ من إسقاطها عن مرتبة الوجودِ وإيذاناً بأن تسميتهم في البطلان حيث كانت بلا مسمّى كعبادتهم حيث كانت بلا معبود ﴿ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ ﴾ بمحض جهلِكم وضلالتِكم ﴿ مَّا أَنزَلَ الله بِهَا ﴾ أي بتلك التسميةِ المستتبِعة للعبادة ﴿ مّن سلطان ﴾ من حجة تدل على صحتها ﴿ إِنِ الحكم ﴾ في أمر العبادة المتفرعةِ على تلك التسمية ﴿ إِلاَ لِلَّهِ ﴾ عز سلطانُه لأنه المستحقُّ لها بالذات إذ هو الواجبُ بالذات الموجدُ للكل والمالكُ لأمره ﴿ أَمَرَ ﴾ استئنافٌ مبني على سؤال ناشىءٍ من قوله : إن الحكم إلا لله فكأنه قيل : فماذا حكم الله في هذا الشأن؟ فقيل : أمر على ألسنة الأنبياءِ عليهم السلام ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ ﴾ أي بأن لا تعبُدوا ﴿ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ حسبما تقضي به قضيةُ العقل أيضاً ﴿ ذلك ﴾ أي تخصيصُه تعالى


الصفحة التالية
Icon