وقال القرطبى :
﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ ﴾ أي ظهر للعزيز وأهل مشورته "مِن بَعْدِ أن رأوا الآيات" أي علامات براءة يوسف من قدّ القميص من دبر، وشهادة الشاهد، وحَزِّ الأيدي، وقلة صبرهنّ عن لقاء يوسف أن يسجنوه كتماناً للقصة ألاّ تشيع في العامة، وللحيلولة بينه وبينها.
وقيل : هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم ؛ والأول أصح.
قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله :"ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ" قال : القميص من الآيات، وشهادة الشاهد من الآيات، وقطع الأيدي من الآيات، وإعظام النساء إياه من الآيات.
وقيل : ألجأها الخجل من الناس، والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب، لتشتفي إذا مُنعت من نظره ؛ قال :
وما صَبابةُ مشتاقٍ على أملٍ...
مِن اللِّقاء كمشتاقٍ بلا أَمَل
أو كادته رجاء أن يَمَل حبسه فيبذل نفسه.
الثانية : قوله تعالى :﴿ لَيَسْجُنُنَّهُ ﴾ "يَسْجُنُنَّهُ" في موضع الفاعل ؛ أي ظهر لهم أن يسجنوه ؛ هذا قول سيبويه.
قال المبرّد : وهذا غلط ؛ لا يكون الفاعل جملة، ولكن الفاعل ما دلّ عليه "بَدَا" وهو مصدر ؛ أي بدا لهم بَدَاءٌ ؛ فحذف لأن الفعل يدلّ عليه ؛ كما قال الشاعر :
وحقَّ لمن أبو موسى أبوهُ...
يُوَفِّقه الذي نَصَب الجبالاَ
أي وحقّ الحقُّ، فحذف.
وقيل : المعنى ثم بدا لهم رأيٌ لم يكونوا يعرفونه ؛ وحذف هذا لأن في الكلام دليلاً عليه، وحذف أيضاً القول ؛ أي قالوا : ليسجننه، واللام جواب ليمين مضمر ؛ قاله الفرّاء، وهو فعل مذكَّر لا فعل مؤنث ؛ ولو كان فعلاً مؤنثاً لكان يَسْجُنّانِّه ؛ ويدلّ على هذا قوله "لَهُمْ" ولم يقل لهنّ، فكأنه أخبر عن النسوة وأعوانهنّ فغلب المذكر ؛ قاله أبو عليّ.


الصفحة التالية
Icon