فصل
قال الفخر :
﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾
اعلم أن الملك لما سأل الملأ عن الرؤيا واعترف الحاضرون بالعجز عن الجواب قال الشرابي إن في الحبس رجلاً فاضلاً صالحاً كثير العلم كثير الطاعة قصصت أنا والخباز عليه منامين فذكر تأويلهما فصدق في الكل وما أخطأ في حرف فإن أذنت مضيت إليه وجئتك بالجواب.
فهذا هو قوله :﴿بعالمين وَقَالَ الذى نَجَا مِنْهُمَا ﴾.
وأما قوله :﴿وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ فنقول : سيجيء اذكر في تفسير قوله تعالى :﴿مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [ القمر : ٥١ ] في سورة القمر قال صاحب "الكشاف" ﴿وادكر﴾ بالدال هو الفصيح عن الحسن ﴿واذكر﴾ بالذال أي تذكر، وأما الأمة ففيه وجوه : الأول :﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ أي بعد حين، وذلك لأن الحين إنما يحصل عند اجتماع الأيام الكثيرة كما أن الأمة إنما تحصل عند اجتماع الجمع العظيم فالحين كان أمة من الأيام والساعات والثاني : قرأ الأشهب العقيلي ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ بكسر الهمزة والإمة النعمة قال عدي :
ثم بعد الفلاح والملك والإمة وارتهم هناك القبور.. والمعنى : بعدما أنعم عليه بالنجاة.
الثالث : قرىء ﴿بَعْدَ أُمُّهُ﴾ أي بعد نسيان يقال أمه يأمه أمها إذا نسي والصحيح أنها بفتح الميم وذكره أبو عبيدة بسكون الميم، وحاصل الكلام أنه إما أن يكون المراد وادكر بعد مضي الأوقات الكثيرة من الوقت الذي أوصاه يوسف عليه السلام بذكره عند الملك، والمراد وادكر بعد وجدان النعمة عند ذلك الملك أو المراد وادكر بعد النسيان.
فإن قيل : قوله :﴿وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ يدل على أن الناسي هو الشرابي وأنتم تقولون الناسي هو يوسف عليه السلام.