وقوله :﴿إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تُحْصِنُونَ﴾ الإحصان الإحراز، وهو إلقاء الشيء في الحصن يقال أحصنه إحصاناً إذا جعله في حرز، والمراد إلا قليلاً مما تحرزون أي تدخرون وكلها ألفاظ ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله :﴿ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس﴾ قال المفسرون السبعة المتقدمة سنو الخصب وكثرة النعم والسبعة الثانية سنو القحط والقلة وهي معلومة من الرؤيا، وأما حال هذه السنة فما حصل في ذلك المنام شيء يدل عليه بل حصل ذلك من الوحي فكأنه عليه السلام ذكر أنه يحصل بعد السبعة المخصبة والسبعة المجدبة سنة مباركة كثيرة الخير والنعم، وعن قتادة زاده الله علم سنة.
فإن قيل : لما كانت العجاف سبعاً دل ذلك على أن السنين المجدبة لا تزيد على هذا العدد، ومن المعلوم أن الحاصل بعد انقضاء القحط هو الخصب وكان هذا أيضاً من مدلولات المنام، فلم قلتم إنه حصل بالوحي والإلهام ؟
قلنا : هب أن تبدل القحط بالخصب معلوم من المنام، أما تفصيل الحال فيه، وهو قوله :﴿فِيهِ يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ لا يعلم إلا بالوحي، قال ابن السكيت يقال : غاث الله البلاد يغيثها غيثاً إذا أنزل فيها الغيث وقد غيثت الأرض تغاث، وقوله :﴿يُغَاثُ الناس﴾ معناه يمطرون، ويجوز أن يكون من قولهم : أغاثه الله إذا أنقذه من كرب أو غم، ومعناه ينقذ الناس فيه من كرب الجدب، وقوله :﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ أي يعصرون السمسم دهناً والعنب خمراً والزيتون زيتاً، وهذا يدل على ذهاب الجدب وحصول الخصب والخير، وقيل : يحلبون الضروع، وقرىء ﴿يَعْصِرُونَ﴾ من عصره إذا نجاه، وقيل : معناه يمطرون من أعصرت السحابة إذا عصرت بالمطر، ومنه قوله :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَاء ثَجَّاجاً﴾ [ النبأ : ١٤ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٨ صـ ١١٩ ـ ١٢١﴾


الصفحة التالية
Icon