الوجه الثالث : أنه قال في تلك الآية ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء، وذلك نفي للشرك على الإطلاق، وتفويض الأمور بالكلية إلى الله تعالى، فههنا الرجوع إلى غير الله تعالى كالمناقض لذلك التوحيد.
واعلم أن الاستعانة بالناس في دفع الظلم جائزة في الشريعة، إلا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فهذا وإن كان جائزاً لعامة الخلق إلا أن الأولى بالصديقين أن يقطعوا نظرهم عن الأسباب بالكلية وأن لا يشتغلوا إلا بمسبب الأسباب.
الوجه الثاني : في تأويل الآية أن يقال : هب أنه تمسك بغير الله وطلب من ذلك الساقي أن يشرح حاله عند ذلك الملك، إلا أنه كان من الواجب عليه أن لا يخلي ذلك الكلام من ذكر الله مثل أن يقول إن شاء الله أو قدر الله فلما أخلاه عن هذا الذكر وقع هذا الاستدراك.
القول الثاني : أن يقال إن قوله :﴿فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبّهِ﴾ راجع إلى الناجي والمعنى : أن الشيطان أنسى ذلك الفتى أن يذكر يوسف للملك حتى طال الأمر ﴿فَلَبِثَ فِى السجن بِضْعَ سِنِينَ﴾ بهذا السبب، ومن الناس من قال القول الأول أولى لما روي عنه عليه السلام قال :" رحم الله يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك ما لبث في السجن " وعن قتادة أن يوسف عليه السلام عوقب بسبب رجوعه إلى غير الله، وعن إبراهيم التيمي أنه لما انتهى إلى باب السجن قال له صاحبه : ما حاجتك قال : أن تذكرني عند رب سوى الرب الذي قال يوسف، وعن مالك لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك قيل : يا يوسف اتخذت من دوني وكيلاً لأطيلن حبسك فبكى يوسف وقال : طول البلاء أنساني ذكر المولى فقلت هذه الكلمة فويل لإخوتي.


الصفحة التالية
Icon