الحادي عشر : أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال، فأرته إياهن، وشكت حالها إليهن ؛ لتستعين بهن عليه، فاستعان هو بالله عليهن، فقال :﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [ يوسف : من الآية ٣٣ ].
الثاني عشر : أنها توعدته بالسجن والصغار، وهذا نوع إكراه ؛ إذ هو تهديد ممن يغلب على الظن وقوع ما هدد به، فيجتمع داعي الشهوة، وداعي السلامة، من ضيق السجن والصغار.
الثالث عشر : إن الزوج لم يُظهر من الغيرة والقوة ما يفرق به بينهما، ويبعد كلاً منهما عن صاحبه، بل كان غاية ما خاطبهما به أن قال ليوسف :﴿ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ [ يوسف : من الآية ٢٩ ]، وللمرأة :﴿ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾ [ يوسف : من الآية ٢٩ ]، وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع، وهنا لم يظهر منه غيرة.
ومع هذه الدواعي فآثر مرضاة الله وخوفه، وحمله حبه لله على أن اختار السجن على الزنى، فقال :﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [ يوسف : من الآية ٣٣ ]، وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه، وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه، وكان من الجاهلين، وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه، وفي هذه القصة من العبر والفوائد والحكم ما يزيد على ألف فائدة. انتهى كلام ابن القيم. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٩ صـ ١٩٢ ـ ١٩٥﴾


الصفحة التالية
Icon