والطرد الشديد، وشدة الحمى والحر، وابتداء برء الدمل، وكل ذلك ظاهر الإحالة، وريح ألوب : باردة تسفي التراب، ورجل ألوب : سريع إخراج الدلو، أو نشيط، فمن خالطه أحاله، وهم عليه ألب وإلب واحد : مجتمعون عليه بالظلم والعداوة، وذلك محيل لا شك فيه، والإلبة بالضم : المجاعة، وبالتحريك : اليلبة، والتأليب : التحريض والإفساد، وكل ذلك ظاهر في الإحالة، وكذا المئلب - للسريع، والألب : الصفو، وهو محيل، والألب - بالتحريك : اليلب، وقد مضى أنها الترسة - والله أعلم.
ولما قال يوسف عليه الصلاة والسلام ذلك وأبى أن يخرج من السجن قبل تبين الأمر، رجع الرسول إلى الملك فأخبره بما قال عليه الصلاة والسلام فكأنه قيل : فما فعل الملك؟ فقيل :﴿قال﴾ للنسوة بعد أن جمعهن :﴿ما خطبكن﴾ أي شأنكن العظيم ؛ وقوله :﴿إذ راودتن﴾ أي خادعتن بمكر ودوران ومراوغة ﴿يوسف عن نفسه﴾ دليل على أن براءته كانت متحققة عند كل من علم القصة، فكأن الملك وبعض الناس - وإن علموا مراودتهن وعفته - ما كانوا يعرفون المراودة هل هي لهن كلهن أو لبعضهن، فكأنه قيل : ما قلن؟ فقيل : مكرن في جوابهن إذ سألهن عما عملن من السوء معه فأعرضن عنه وأجبن بنفي السوء عنه عليه الصلاة والسلام، وذلك أنهن ﴿قلن حاش لله﴾ أي عياذاً بالملك الأعظم وتنزيهاً له من هذا الأمر، فأوهمن بذلك براءتهن منه ؛ ثم فسرن هذا العياذ بأن قلن تعجباً من عفته التي لم يرين مثلها، ولا وقع في أوهامهن أن تكون لآدمي وإن بلغ ما بلغ :﴿ما علمنا عليه﴾ أي يوسف عليه الصلاة والسلام، وأعرقن في النفي فقلن :﴿من سوء﴾ فخصصنه بالبراءة، وهذا كما تقدم عند قول الملأ ﴿أضغاث أحلام﴾ هذا وهو جواب للملك الذي تبهر رؤيته وتخشى سطوته، فكان من طبع البلد عدم الإفصاح في المقال - حتى لا ينفك عن طروق احتمال فيكون للتفصي فيه مجال - وعبادة الملوك إلا من شاء الله منهم.