وَقَدْ عُلِمَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ أَنَّ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مَثَلَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ الْأَعْلَى لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ، لَمْ يَمَسَّهُ أَدْنَى سُوءٍ مِنْ فِتْنَةِ النِّسْوَةِ، وَأَنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ الَّتِي اشْتَهَرَتْ فِي نِسَاءِ مِصْرَ بَلْ نِسَاءِ الْعَالَمِ بِسُوءِ الْقُدْوَةِ فِي التَّارِيخِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ كَانَ أَكْبَرُ إِثْمِهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَكَانَتْ هِيَ ذَاتَ مَزَايَا فِي عِشْقِهَا الَّذِي كَانَ اضْطِرَارِيًّا لَا عِلَاجَ لَهُ إِلَّا الْحَيْلُولَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذَا الشَّابِّ الَّذِي بَلَغَ مُنْتَهَى الْكَمَالِ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، فَمِنْ مَزَايَاهَا أَنَّهَا لَمْ تَتَطَلَّعْ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ إِجَابَةً لِدَاعِيَةِ الْجِنْسِيَّةِ لِلتَّسَلِّي عَنْهُ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ، وَأَنَّهَا لَمْ تَتَّهِمْهُ بِالْجُنُوحِ لِلْفَاحِشَةِ قَطُّ، وَكُلُّ مَا قَالَتْهُ لِزَوْجِهَا إِذْ فَاجَأَهُمَا لَدَى الْبَابِ (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا) ٢٥ تَعْنِي بِهِ هَمَّهُ بِضَرْبِهَا، وَأَنَّهَا فِي خَاتِمَةِ الْأَمْرِ أَقَرَّتْ بِذَنْبِهَا فِي مَجْلِسِ الْمَلِكِ الرَّسْمِيِّ إِيثَارًا لِلْحَقِّ وَإِثْبَاتًا لِبَرَاءَةِ الْمُحِقِّ، فَأَيَّةُ مَزَايَا أَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ لِمَنِ ابْتُلِيَتْ بِمِثْلِ هَذَا الْعِشْقِ ؟ وَفِي تَارِيخِ الْفِرْدَوْسِيِّ أَدِيبِ الْفُرْسِ أَنَّهُ صَنَّفَ قِصَّةً غَرَامِيَّةً فِي زَلِيخَا وَيُوسُفَ صَوَّرَ فِيهَا الْعِفَّةَ بِأَجْمَلِ صُوَرِهَا، وَزَلِيخَا (بِالْفَتْحِ) اسْمُ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِي أَشْهَرِ تَوَارِيخِنَا، وَقِيلَ : إِنَّ اسْمَهَا رَاعِيلُ، وَسَنُفَصِّلُ الْعِبَرَ فِي الْقِصَّةِ، فِي التَّفْسِيرِ


الصفحة التالية
Icon