وقال ابن عاشور :
﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾
ظاهر ترتيب الكلام أن هذا من كلام امرأة العزيز، مضت في بقية إقرارها فقالت :﴿ وما أبرىء نفسي ﴾.
وذلك كالاحتراس مما يقتضيه قولها :﴿ ذلك لِيَعْلَم أني لم أخنْه بالغيب ﴾ [ سورة يوسف : ٥٢ ] من أن تبرئة نفسها من هذا الذنب العظيم ادعاءٌ بأن نفسها بريئة براءة عامة فقالت : وما أبرىء نفسي }، أي ما أبرىء نفسي من محاولة هذا الإثم لأن النفس أمّارة بالسوء وقد أمرتني بالسوء ولكنه لم يقع.
فالواو التي في الجملة استئنافية، والجملة ابتدائية.
وجلمة ﴿ إن النفس لأمارة بالسوء ﴾ تعليل لجملة ﴿ وما أبرىء نفسي ﴾، أي لا أدعي براءة نفسي من ارتكاب الذنب، لأن النفوس كثيرة الأمر بالسوء.
والاستثناء في ﴿ إلا ما رحم ربي ﴾ استثناء من عموم الأزمان، أي أزمان وقوع السوء، بناءً على أن أمر النفس به يبعث على ارتكابه في كلّ الأوقات إلاّ وقت رحمة الله عبده، أي رحمته بأن يقيّض له ما يصرفه عن فعل السوء، أو يقيض حائلاً بينه وبين فعل السوء، كما جعل إباية يوسف عليه السلام من إجابتها إلى ما دعتْه إليه حائلاً بينها وبين التورط في هذا الإثم، وذلك لطف من الله بهما.
ولذلك ذيلته بجملة ﴿ إن ربي غفور رحيم ﴾ ثناءً على الله بأنه شديد المغفرة لمن أذنب، وشديد الرحمة لعبده إذا أراد صرفه عن الذنب.
وهذا يقتضي أن قومها يؤمنون بالله ويحرمون الحرام، وذلك لا ينافي أنهم كانوا مشركين فإن المشركين من العرب كانوا يؤمنون بالله أيضاً، قال تعالى :﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولُن الله ﴾ [ سورة العنكبوت : ٦١ ] وكانوا يعرفون البر والذنب.
وفي اعتراف امرأة العزيز بحضرة الملك عبرة بفضيلة الاعتراف بالحق، وتبرئة البريء مما ألصق به، ومن خشية عقاب الله الخائنين.


الصفحة التالية
Icon