أي : أن المعاصي قد تُغريك، ولكن العاقل هو من يملك زمام نفسه، ويُقدِّر العواقب البعيدة، ولا ينظر إلى اللذة العارضة الوقتية ؛ إلا إذا نظر معها إلى الغاية التي توصله إليها تلك اللذة ؛ لأن شيئاً قد تستلِذُّ به لحظة قد تَشْقى به زمناً طويلاً.
ولذلك قلنا : إن الذي يُسرف على نفسه غافل عن ثواب الطاعة وعن عذاب العقوبة، ولو استحضر الثواب على الطاعة، والعذاب على المعصية ؛ لامتنع عن الإسراف على نفسه.
ولذلك يقول النبي ﷺ :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ".
إذن : فلحظة ارتكاب المعصية نجد الإنسان وهو يستر إيمانه ؛ ولا يضع في باله أنه قد يموت قبل أن يتوبَ عن معصيته، أو قبل أن يُكفِّر عنها.
ويخطيء الإنسان في حساب عمره ؛ لأن أحداً لا يعلم ميعاد أجله ؛ أو الوقت الذي يفصل بينه وبين حساب الموْلَى عَزَّ وجَلَّ له على المعاصي.
وكل مِنَّا مُطَالب بأن يضع في حُسْبانه حديث الرسول ﷺ :" الموت القيامة، فمَنْ مات فقد قامت قيامته ".
ولنا أسوة طيبة في عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو الخليفة الثالث لرسول الله ﷺ، الذي كان إذا وقف على قبر بكى حتى تبتلَّ لحيته، فسُئِل عن ذلك ؛ وقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي إذا وقفتَ على قبر؟ فقال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" إن القبر أول منازل الآخرة، فإنْ نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم يَنْجُ منه، فما بعده أشد ".
لذلك فلا يستبعد أحد ميعاد لقائه بالموت.
وتستمر الآية :﴿ إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ يوسف : ٥٣ ].