والوجه الثاني : في الجواب أن الآية لا تدل ألبتة على شيء مما ذكروه وذلك لأن يوسف عليه السلام لما قال :﴿أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ بين أن ترك الخيانة ما كان لعدم الرغبة ولعدم ميل النفس والطبيعة، لأن النفس أمارة بالسوء والطبيعة تواقة إلى الذات فبين بهذا الكلام أن الترك ما كان لعدم الرغبة، بل لقيام الخوف من الله تعالى.
أما إذا قلنا : إن هذا الكلام من بقية كلام المرأة ففيه وجهان : الأول : وما أبرىء نفسي عن مراودته ومقصودها تصديق يوسف عليه السلام في قوله :﴿هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى﴾ الثاني : أنها لما قالت :﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ [ يوسف : ٥٢ ] قالت وما أبرىء نفسي عن الخيانة مطلقاً فإني قد خنته حين قد أحلت الذنب عليه وقلت :﴿مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [ يوسف : ٢٥ ] وأودعته السجن كأنها أرادت الاعتذار مما كان.
فإن قيل جعل هذا الكلام كلاماً ليوسف أولى أم جعله كلاماً للمرأة ؟
قلنا : جعله كلاماً ليوسف مشكل، لأن قوله :﴿قَالَتِ امرأت العزيز الئن حَصْحَصَ الحق﴾ [ يوسف : ٥١ ] كلام موصول بعضه ببعض إلى آخره، فالقول بأن بعضه كلام المرأة والبعض كلام يوسف مع تخلل الفواصل الكثيرة بين القولين وبين المجلسين بعيد، وأيضاً جعله كلاماً للمرأة مشكل أيضاً، لأن قوله :﴿وَمَا أُبَرّىء نَفْسِى إِنَّ النفس لامَّارَةٌ بالسوء إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى﴾ كلام لا يحسن صدوره إلا ممن احترز عن المعاصي، ثم يذكر هذا الكلام على سبيل كسر النفس، وذلك لا يليق بالمرأة التي استفرغت جهدها في المعصية.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon