وقال أبو حيان :
﴿ وما أبرىء نفسي ﴾
من الزلل. ، وما أشهد لها بالبراءة الكلية، ولا أزكيها، إن النفس لأمارة بالسوء.
أراد الجنس أي : هذا الجنس يأمر بالسوء، ويحمل على ما فيه من الشهوات انتهى.
وفيه تكثير وتحميل للفظ ما ليس فيه، ويزيد على عادته في خطابته.
ولما أحسّ الزمخشري بأشكال قول من قال : إنه من كلام يوسف قال :( فإن قلت ) : كيف صح أن يجعل من كلام يوسف ولا دليل على ذلك؟ ( قلت ) : كفى بالمعنى دليلاً قائداً إلى أن يجعل من كلامه، ونحوه قوله : قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون؟ وهو من كلام فرعون يخاطبهم ويستشيرهم انتهى.
وهذا ليس كما ذكر، إذ لا يتعين في هذا التركيب أن يكون من كلام فرعون، بل هو من كلام الملأ تقدمهم فرعون إلى هذه المقالة، فقالوا ذلك بعض لبعض، فيكون في قول فرعون : يريد أن يخرجكم خطاباً للملأ من فرعون، ويكون في هذا التركيب خطاباً من بعضهم لبعض، ولا يتنافى اجتماع المقالتين.
وبالغيب يحتمل أن يكون حالاً من الفاعل أي : غائباً عنه، أو من المفعول أي : غائباً عني، أو ظرفاً أي بمكان الغيب.
والظاهر أنّ إلا ما رحم ربي استثناء متصل من قوله : لأمارة بالسوء، لأنه أراد الجنس بقوله : إن النفس، فكأنه قال : إلا النفس التي رحمها ربي فلا تأمر بالسوء، فيكون استثناء من الضمير المستكن في أمارة.
ويجوز أن يكون مستثنى من مفعول أمارة المحذوف إذ التقدير : لأمارة بالسوء صاحبها، إلا الذي رحمه ربي فلا تأمره بالسوء.
وجوزوا أن يكون مستثنى من ظرف الزمان المفهوم عمومه من ما قبل الاستثناء، وما ظرفية إذ التقدير : لأمارة بالسوء مدة بقائها إلا وقت رحمة الله العبد وذهابه بها عن اشتهاء المعاصي.
وجوزوا أن يكون استثناء منقطعاً، وما مصدرية.
وذكر ابن عطية أنه قول الجمهور أي : ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon