ومن الناس من انتصر له بأن أمر التعليل ظاهر عليه، وهو على تقدير جعله من كلامه عليه السلام غير ظاهر لأن علم العزيز بأنه لم يكن منه ما قرف به إنما يستدعي التفتيش مطلقاً لا خصوص تقديمه على الخروج حين طلبه الملك والظاهر على ذلك التقدير جعله له.
وأجيب بأن المراد ليظهر علمه على أتم وجه وهو يستدعي الخصوص، ويساعد على إرادة ظهور العلم أن أصل العلم كان حاصلاً للعزيز قبل حين شهد شاهد من أهلها وفيه نظر، ويمكن أن يقال : إن في التثبت وتقديم التفتيش على الخروج من مراعاة حقوق العزيز ما فيه حيث لم يخرج من جنسه قبل ظهور بطلان ما جعله سبباً له مع أن الملك دعاه إليه، ويترتب على ذلك علمه بأنه لم يخنه في شيء من الأشياء أصلاً فضلاً عن خيانته في أهله لظهور أنه عليه السلام إذا لم يقدم على ما عسى أن يتوهم أنه نقض لما أبرمه مع قوة الداعي وتوفر الدواعي فهو بعدم الإقدام على غيره أجدر وأحرى، فالعلة للتثبت مع ما تلاه من القصة هي قصد حصول العلم بأنه عليه السلام لم يكن منه ما يخون به كائناً ما كان مع ما عطف عليه، وذلك العلم إنما يترتب على ما ذكر لا على التفتيش ولو بعد الخروج كما لا يخفى، أو يقال : إن المراد ليجري على موجب العلم بما ذكر بناءً على التزام أنه كان قبل ذلك عالماً به لكنه لم يجر على موجب علمه وإلا لما حبسه عليه السلام فيتلافى تقصيره بالإعراض عن تقبيح أمره أو بالثناء عليه ليحظى عند الملك ويعظمه الناس فتينع من دعوته أشجارها وتجري في أودية القلوب أنهارها، ولا شك أن هذا مما يترتب على تقديم التفتيش كما فعل، وليس ذلك مما لا يليق بشأنه عليه السلام بل الأنبياء عليهم السلام كثيراً ما يفعلون مثل ذلك في مبادىء أمرهم ؛ وقد كان نبينا ﷺ يعطي الكافر إذا كان سيد قومه ما يعطيه ترويجاً لأمره، وإذا حمل قوله عليه السلام لصاحبه الناجي


الصفحة التالية
Icon