ولما رغبهم، رهبهم فقال :﴿فإن لم تأتوني به﴾ أي بأخيكم أول قدمة تقدمونها ﴿فلا كيل لكم﴾ وعرفهم أنه لا يمنعهم من غيره فقال :﴿عندي ولا تقربون﴾ ومع ذلك فلم يخطر ببالهم أنه يوسف، فكأنه قيل : فما قالوا؟ فقيل :﴿قالوا سنراود﴾ أي بوعد لا خلف فيه حين نصل ﴿عن أباه﴾ أي نكلمه فيه وننازعه الكلام ونحتال عليه فيه، ونتلطف في ذلك، ولا ندع جهداً ؛ ثم أكدوا ذلك - بعد الجملة الفعلية المصدرة بالسين - بالجملة الاسمية المؤكدة بحرفي التأكيد، فقالوا :﴿وإنا لفاعلون﴾ أي ما أمرتنا به والتزامناه، وقد مضى عند ﴿وراودته﴾ أن المادة - يائية وواوية بهمز وبغير همز - تدور على الدوران، ومن لوازمه القصد والإقبال والإدبار والرفق والمهلة، وقد مضى بيان غير المهموز، وأما المهموز فمنه درأه، أي دفعه - لأن المدفوع يرد إلى الموضع الذي أتى منه، والمدارأة : المدافعة والمنازعة مطلقاً، أي سواء كانت برفق أو بعنف، ثم كثرت فقصرت على الملاينة، ويلزم من الدفع حلول المدفوع في موضع لا يريده بغتة، ومنه : درأ علينا، أي خرج مفاجأة، قال القزاز : وأصله من قولهم : جاء السيل درأ، أي يدرأ بعضه بعضاً، وهو الذي يأتي من مكان لا يعلم به، واندرأ فلان علينا بالشر - إذا أتى به من حيث لم ندر، والدرء : النشوز، وهو من الدفع، وكوكب دريء : متوقد متلألىء - كان نوره يدفع بعضه بعضاً، ومنه درأت النار : أضاءت، واندرأ الحريق : انتشر، ودرأ الشيء : بسطه - لأن المبسوط لا يخلو عن دفع، وتدارؤوا : تدافعوا في الخصومة.