وأقول : هذا الكلام يضعف الوجه الثاني وهو الذي نقلناه عن المفسرين، لأن مدار ذلك الوجه على أنه اتهمهم ونسبهم إلى أنهم جواسيس، ولو شافههم بذلك الكلام فلا يليق به أن يقوم لهم :﴿أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الكيل وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين﴾ وأيضاً يبعد من يوسف عليه السلام مع كونه صديقاً أن يقول لهم أنتم جواسيس وعيون، مع أنه يعرف براءتهم عن هذه التهمة، لأن البهتان لا يليق بحال الصديق.
ثم قال :﴿فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴾.
واعلم أنه عليه السلام لما طلب منهم إحضار ذلك الأخ جمع بين الترغيب والترهيب.
أما الترغيب : فهو قوله :﴿أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الكيل وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين﴾ وأما الترهيب : فهو قوله :﴿فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلاَ تَقْرَبُونِ﴾ وذلك لأنهم كانوا في نهاية الحاجة إلى تحصيل الطعام، وما كان يمكنهم تحصيله إلا من عنده، فإذا منعهم من الحضور عنده كان ذلك نهاية الترهيب والتخويف، ثم إنهم لما سمعوا هذا الكلام من يوسف قالوا :﴿سنراود عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لفاعلون﴾ أي سنجتهد ونحتال على أن ننزعه من يده، وإنا لفاعلون هذه المراودة، والغرض من التكرير التأكيد، ويحتمل أن يكون ﴿وَإِنَّا لفاعلون﴾ أن نجيئك به، ويحتمل ﴿وَإِنَّا لفاعلون﴾ كل ما في وسعنا من هذا الباب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٨ صـ ١٣٢ ـ ١٣٤﴾


الصفحة التالية
Icon