وقال ابن عباس قال ( يوسف ) للترجمان قل لهم : لغتكم مخالفة للغتنا، وزيّكم مخالف لزيّنا، فلعلكم جواسيس ؛ فقالوا : والله! ما نحن بجواسيس، بل نحن بَنُو أبٍ واحد، فهو شيخ صدّيق ؛ قال : فكم عِدّتكم؟ قالوا : كنا اثني عشر فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك فيها ؛ قال : فأين الآخر؟ قالوا : عند أبينا ؛ قال : فمن يعلم صدقكم؟ قالوا : لا يعرفنا هاهنا أحد، وقد عرفناك أنسابنا، فبأي شيء تسكن نفسك إلينا؟ فقال يوسف :﴿ ائتوني بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ ﴾ إن كنتم صادقين ؛ فأنا أرضى بذلك ﴿ أَلاَ تَرَوْنَ أني أُوفِي الكيل ﴾ أي أتمّه ولا أبخسه، وأزيدكم حمل بعير لأخيكم ﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي ﴾ توعدهم ألاّ يبيعهم الطعام إن لم يأتوا به.
قوله تعالى :﴿ أَلاَ تَرَوْنَ أني أُوفِي الكيل ﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : أنه رخّص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل.
والثاني : أنه كال لهم بمكيال واف.
﴿ وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه خير المضيفين، لأنه أحسن ضيافتهم ؛ قاله مجاهد.
الثاني : وهو محتمل ؛ أي خير من نزلتم عليه من المأمونين ؛ وهو على التأويل الأوّل مأخوذ من النُّزْل وهو الطعام، وعلى الثاني من المنزل وهو الدار.
قوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي ﴾ أي فلا أبيعكم شيئاً فيما بعد، لأنه قد وفّاهم كيلهم في هذه الحال.
﴿ وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴾ أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب، ولم يرد أنهم يبعدون منه ولا يعودون إليه ؛ لأنه على العَود حَثّهم.
قال السُّديّ : وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا ؛ فارتهن شمعون عنده ؛ قال الكَلْبِيّ : إنما اختار شمعون منهم لأنه كان يوم الجبّ أجملهم قولاً، وأحسنهم رأياً.
و"تَقْرَبُونِ" في موضع جزم بالنهي، فلذلك حذفت منه ( النون وحذفت ) الياء ؛ لأنه رأس آية ؛ ولو كان خبراً لكان "تقربون" بفتح النون.