ودائماً أقول : ما رأيتُ نعيماً عند أحد إلا ازداد إيماني، بأن الذي أراه من نعمة قد أعدَّه البشر للبشر ؛ فما بالنا بما أعدَّه خالق البشر للمؤمنين من البشر؟
أما مَنْ ينظر نظرةَ حِقْد إلى النعمة عند الغير ؛ فهو يحرم نفسه من صَبابة النعمة عند الغير ؛ لأن النعمة لها صَبابة عند صاحبها، وتتعلق به، وإن فرحتَ بالنعمة عند إنسان ؛ فثِقْ أن النعمة ستطرق بابك، وإن كرهتها عند غيرك ؛ كرهتْ النعمة أن تأتي إليك.
فإنْ أردتَ الخير الذي عند غيرك ؛ عليك أن تحب النعمة التي عند هذا الغير ؛ لتسعى النعمة إليك ؛ دون أن تتكلف عبء إدارة هذه النعمة أو صيانتها ؛ لأنها ستأتي إليك بقدرة الحق سبحانه.
وقَوْل يوسف عليه السلام في هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها :
﴿ وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين ﴾ [ يوسف : ٥٩ ].
هو إخبار منه يؤكد ما استقبلهم به من عدل، وتوفية للكيل، وحُسْن الضيافة، ولا شك أنهم حين يُحضِرون أخاهم سيجدون نفس الاستقبال.
ويواصل الحق سبحانه ما جاء على لسان يوسف :﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي... ﴾.
ويوسف يعلم مُقدَّماً صعوبة أن يأمنهم أبوهم على أخيهم ؛ لذلك وجَّه إليهم هذا الإنذار :
﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي.. ﴾ [ يوسف : ٦٠ ].
قال لهم ذلك، وهو يعلم أن المَعَاد مَعَادُ قَحْط وجَدْب ومجاعة.
وأضاف يوسف :
﴿ وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴾ [ يوسف : ٦٠ ].
أي : لا تأتوا ناحية هذا البلد الذي أحكمه ؛ ولذلك سنجدهم يقولون لأبيهم من بعد ذلك :﴿ اأبانا مُنِعَ مِنَّا الكيل فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ يوسف : ٦٣ ].
وتلقَّوْا الإنذار من يوسف، وقالوا ما أورده القرآن هنا :﴿ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ.... ﴾.
وقولهم :
﴿ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ... ﴾ [ يوسف : ٦١ ].