قال : كم أنتم؟ قالوا : عشرة، وقد كنا اثني عشر، فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك، وكان أحبنا إلى أبينا، وقد سكن بعده إلى أخ له أصغر منه هو باقٍ لديه، يتسلى به، فقال لهم حينئذٍ :﴿ ائتونى بِأَخٍ لَّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ ﴾ يعني : أخاه " بنيامين " الذي تقدّم ذكره، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه، فوعدوه بذلك، فطلب منهم أن يتركوا أحدهم رهينة عنده حتى يأتوه بالأخ الذي طلبه، فاقترعوا فأصابت القرعة " شمعون " فخلفوه عنده، ثم قال لهم :﴿ أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الكيل ﴾ أي : أتممه، وجاء بصيغة الاستقبال مع كونه قال لهم هذه المقالة بعد تجهيزهم للدلالة على أن ذلك عادته المستمرّة، ثم أخبرهم بما يزيدهم وثوقاً به وتصديقاً لقوله، فقال :﴿ وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين ﴾ أي : والحال أني خير المنزلين لمن نزل بي كما فعلته بكم من حسن الضيافة، وحسن الإنزال.
قال الزجاج : قال يوسف :﴿ وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين ﴾ لأنه حين أنزلهم أحسن ضيافتهم.
ثم توعدهم إذا لم يأتوه به فقال :﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴾ أي : فلا أبيعكم شيئاً فيما بعد، وأما في الحال فقد أوفاهم كيلهم، ومعنى لا تقربون : لا تدخلون بلادي فضلاً عن أن أحسن إليكم وقيل : معناه : لا أنزلكم عندي كما أنزلتكم هذه المرّة، ولم يرد أنهم لا يقربون بلاده، و ﴿ تقربون ﴾ مجزوم إما على أن " لا " ناهية أو على أنها نافية، وهو معطوف على محل الجزاء داخل في حكمه كأنه قال : فإن لم تأتوني تحرموا ولا تقربوا.
فلما سمعوا منه ذلك وعدوه بما طلبه منهم، قالوا ﴿ سنراود عَنْهُ أَبَاهُ ﴾ أي : سنطلبه منه، ونجتهد في ذلك بما نقدر عليه.
وقيل : معنى المراودة هنا : المخادعة منهم لأبيهم والاحتيال عليه حتى ينتزعوه منه ﴿ وَإِنَّا لفاعلون ﴾ هذه المراودة غير مقصرين فيها.