﴿ فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ يأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الكيل ﴾ أرادوا بهذا ما تقدّم من قول يوسف لهم :﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى ﴾ أي : منع منا الكيل في المستقبل، وفيه دلالة على أن الامتيار مرة بعد مرة معهود فيما بينهم وبينه، ولعلهم قالوا له بهذه المقالة قبل أن يفتحوا متاعهم ويعلموا بردّ بضاعتهم كما يفيد ذلك قوله فيما بعد :﴿ وَلَمَّا فَتَحُواْ متاعهم ﴾ إلى آخره، ثم ذكروا له ما أمرهم به يوسف، فقالوا :﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا ﴾ يعنون بنيامين، و ﴿ نَكْتَلْ ﴾ جواب الأمر، أي : نكتل بسبب إرساله معنا ما نريده من الطعام.
قرأ أهل الحرمين، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم :﴿ نكتل ﴾ بالنون، وقرأ سائر الكوفيون بالياء التحتية، واختار أبو عبيد القراءة الأولى.
قال : ليكونون كلهم داخلين فيمن يكتال، وزعم أنه إذا كان بالياء كان للأخ وحده، أي : يكتال أخونا بنيامين، واعترضه النحاس مما حاصله : أن إسناد الكيل إلى الأخ لا ينافي كونه للجميع، والمعنى : يكتال بنيامين لنا جميعاً.
قال الزجاج : أي إن أرسلته اكتلنا وإلاّ منعنا الكيل ﴿ وَإِنَّا لَهُ ﴾ أي : لأخيهم بنيامين ﴿ لحافظون ﴾ من أن يصيبه سوء أو مكروه.
وجملة :﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قَبْلُ ﴾ مستأنفة جواب سؤال مقدّر كما تقدّم في نظائر ذلك في مواضع كثيرة، والمعنى : أنه لا يأمنهم على بنيامين إلاّ كما أمنهم على أخيه يوسف، وقد قالوا له في يوسف :﴿ وَإِنَّا لَهُ لحافظون ﴾ كما قالوا هنا :﴿ وَإِنَّا لَهُ لحافظون ﴾ ثم خانوه في يوسف فهو إن أمنهم في بنيامين خاف أن يخونوه فيه كما خانوه في يوسف ﴿ فالله خَيْرٌ حافظا وَهُوَ أَرْحَمُ الرحمين ﴾ لعل هنا إضمار والتقدير فتوكل يعقوب على الله ودفعه إليهم، وقال :﴿ فالله خير حفظاً ﴾.