ثم اغتسل وتنظف ولبس ثياباً جدداً وقصد إليه، عطف عليه بالفاء - دليلاً على إسراعه في ذلك - قوله :﴿فلما كلمه﴾ وشاهد الملك فيه ما شاهد من جلال النبوة وجميل الوزارة وخلال السيادة ومخايل السعادة ﴿قال﴾ مؤكداً تمكيناً لقوله دفعاً لمن يظن أنه بعد السجن وما قاربه لا يرفعه هذه الرفعة :﴿إنك اليوم﴾ وعبر بما هو لشدة الغرابة تمكيناً للكلام أيضاً فقال :﴿لدينا مكين﴾ أي شديد المكنة، من المكانة، وهي حالة يتمكن بها صاحبها من مراده ﴿أمين﴾ من الأمانة، وهي حال يؤمن معها نقض العهد، وذلك أنه قيل : إن الملك كان يتكلم بسبعين لساناً فكلمه بها، فعرفها كلها، ثم دعا للملك بالعبراني، فلم يعرفه الملك فقال له : ما هذا اللسان؟ قال : لسان آبائي، فعظم عنده جداً، فكأنه قيل : فما قال الصديق؟ فقيل :﴿قال﴾ ما يجب عليه من السعي في صلاح الدين والدنيا ﴿اجعلني﴾ قيماً ﴿على خزائن الأرض﴾ أي أرض مصر التي هي لكثرة خيرها كأنها الأرض ؛ ثم علله بما هو مقصود الملوك الذي لا يكادون يقفون عليه فقال :﴿إني حفيظ﴾ أي قادر عل ضبط ما إليّ أمين فيه ﴿عليم﴾ أي بالغ العلم بوجوه صلاحه واستنمائه فأخبر بما جمع الله له من أداتي الحفظ والفهم، مع ما يلزم الحفظ من القوة والأمانة، لنجاة العباد مما يستقبلهم من السوء، فيكون ذلك سبباً لردهم عن الدين الباطل إلى الدين الحق.
ولما سأل ما تقدم، قال معلماً بأنه أجيب بتسخير الله له :﴿وكذلك﴾ أي ومثل ما مكنا ليوسف في قلب الملك من المودة والاعتقاد الصالح وفي قلوب جميع الناس، ومثل ما سأل من التمكين ﴿مكنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿ليوسف في الأرض﴾ أي مطلقاً لا سيما أرض مصر بتولية ملكها إياه عليها ﴿يتبوأ﴾ أي يتخذ منزلاً يرجع إليه، من باء - إذا رجع ﴿منها حيث يشاء﴾ بإنجاح جميع مقاصده، لدخولها كلها تحت سلطانه.


الصفحة التالية
Icon