ومن فوائد الخطيب الشربينى فى الآية
قال رحمه الله :
﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي : الطاعات ﴿أن لهم جنات﴾ أي : حدائق ذات شجر ومساكن، وإنما أمر الله سبحانه وتعالى الرسول ﷺ أو عالم كل عصر، أو كل أحد يقدر على البشارة أن يبشر الذين آمنوا ولم يخاطبهم بالبشارة كما خاطب الكفرة تفخيماً لشأنهم وإيذاناً بأنهم أحقاء بأن يبشروا ويهنؤوا بما أعد لهم، والبشارة : الخبر الصدق السار أوّلاً فإنه يظهر أثر السرور في البشرة لأن النفس إذا سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجرة ولذلك قال الفقهاء : البشارة هو الخبر الأوّل حتى لو قال الرجل لعبيده : من يبشرني بقدوم ولدي فهو حرّ فأخبروه فرادى عتق أوّلهم ولو قال : من أخبرني عتقوا جميعاً.
فإن قيل : ما الجواب عن قوله تعالى :﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾ ؟
أجيب : بأنّ ذلك ورد على سبيل التهكم كقوله تعالى :﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان، ) وعطف سبحانه وتعالى العمل على الإيمان مرتباً للحكم عليهما إشعاراً بأنّ السبب في استحقاق هذه البشارة مجموع الأمرين والجمع بين الوصفين، فإنّ الإيمان الذي هو عبارة عن التيقن والتصديق أس، والعمل الصالح كالبناء عليه، ولا نفع تام بأس لا بناء عليه، ولذلك قلما ذكرا مفردين وفي عطف العمل على الإيمان دليل على أنّ الصالحات خارجة عن مسمى الإيمان إذ الأصل أنّ الشيء لا يعطف على نفسه ولا على ما هو داخل فيه، وجمع سبحانه وتعالى الجنة لأنّ الجنان على ما ذكره ابن عباس سبع : جنة الفردوس، وجنة عدن، وجنة النعيم، ودار الخلد، وجنة المأوى، ودار السلام، وعلييون، وفي كل واحدة من هذه السبع مراتب ودرجات متفاوتة على حسب تفاوت الأعمال والعمال.