والمشهور أن كون المراد بالقبلية في الدنيا أولى مما يقدم في الآخرة لأن ( كلما ) تفيد العموم ولا يتصور قولهم ذلك في أول ما قدم إليهم، وقيل : كون المراد بها في الآخرة أولى لئلا يلزم انحصار ثمار الجنة في الأنواع الموجودة في الدنيا مع أن فيها ما علمت وما لم تعلم، على أن فيه توفية بمعنى حديث تشابه ثمار الجنة وموافقته لمتشابها بعد فإنه في رزق الجنة أظهر، وإعادة الضمير إلى المرزوق في الدارين تكلف وستسمعه بمنه تعالى، وفي الآية محمل آخر يميل إليه القلب بأن يكون ما رزقوه قبل هو الطاعات والمعارف التي يستلذها أصحاب الفطرة والعقول السليمة، وهذا جزاء مشابه لها فيما ذكر من اللذة كالجزاء الذي في ضده في قوله تعالى :﴿ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [ العنكبوت : ٥٥ ] أي جزاءه فالذي رزقناه مجاز مرسل عن جزائه بإطلاق اسم المسبب على السبب ولا يضر في ذلك أن الجنة وما فيها من فنون الكرامات من الجزاء كما لا يخفى أو هو استعارة بتشبيه الثمار والفواكه بالطاعات والمعارف فيما ذكر، وقيل : أرض الجنة قيعان يظهر فيها أعمال الدنيا كما يشير إليه بعض الآثار فثمرة النعيم ما غرسوه في الدنيا فتدبر ﴿وَأُتُواْ بِهِ متشابها﴾ تذييل للكلام السابق وتأكيد له بما يشتمل على معناه لا محل له من الإعراب، ويحتمل الاستئناف والحالية بتقدير ( قد ) وهو شائع، وحذف الفاعل للعلم به وهو ظاهراً الخدم والولدان كما يشير إليه قراءة هارون والعتكي ( وأتوا ) على الفاعل وفيها إضمار لدلالة المعنى عليه، وقد أظهر ذلك في قوله تعالى :﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ ولدان مُّخَلَّدُونَ﴾ إلى قوله سبحانه :﴿وفاكهة مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ [ الواقعة : ٧ ١ ٠ ٢ ] والضمير المجرور إما على تقدير أن يراد من قبل في الدنيا فراجع إلى المفهوم الواحد الذي تضمنه اللفظان :﴿هذا﴾ و ﴿الذى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ وهو المرزوق في الدارين أي أوتوا بمرزق الدارين