ولعل سائلاً يسأل عن وجه إتيان العرب بالجموع بعد أل الاستغراقية إذا كان المفرد مغنياً غناءها فأقول : إن أل المُعَرِّفة تأتي للعهد وتأتي للجنس مراداً به الماهية وللجنس مراداً به جميع أفراده التي لا قرار له في غيرها فإذا أرادوا منها الاستغراق نظروا فإن وجدوا قرينة الاستغراق ظاهرة من لفظ أو سياق نحو :﴿إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا﴾ [ العصر : ٢، ٣ ] ﴿وتؤمنون بالكتاب كله﴾ [ آل عمران : ١١٩ ] ﴿والمَلَكُ على أرجائها﴾ [ الحاقة : ١٧ ] اقتنعوا بصيغة المفرد لأنه الأصل الأحَفُّ وإن رأوا قرينة الاستغراق خفية أو مفقودة عدلوا إلى صيغة الجمع لدلالة الصيغة على عدة أفراد لا على فرد واحد.
ولما كان تعريف العهد لا يتوجه إلى عدد من الأفراد غالباً تعين أن تعريفها للاستغراق نحو :﴿واللَّهُ يحب المحسنين﴾ [ آل عمران : ١٣٤ ] لئلا يتوهم أن الحديث على مُحسن خاص نحو قولها :﴿وأن الله لا يهدي كيد الخائنين﴾ [ يوسف : ٥٢ ] لئلا يتوهم أن الحديث عن خائن معين تعني نفسها فيصير الجمع في هذه المواطن قرينة على قصد الاستغراق.
وانتصب الصالحات على المفعول به لعملوا على المعروف من كلام أئمة العربية وزعم ابن هشام في الباب السادس من " مغني اللبيب" أن مفعول الفعل إذا كان لا يوجد إلا بوجود فعله كان مفعولاً مطلقاً لا مفعولاً به فنحو :﴿عملوا الصالحات﴾ مفعول مطلق ونحو :﴿خلق الله السماوات﴾ [ العنكبوت : ٤٤ ] كذلك، واعتضد لذلك بأنّ ابن الحاجب في " شرح المفصل" زعم أن المفعول المطلق يكون جملة نحو قال زيد عمرو منطلق وكلام ابن هشام خطأ وكلام ابن الحاجب مثله، وقد رده ابن هشام نفسه.
والصواب أن المفعول المطلق هو مصدر فعله أو ما يجري مجراه.