قَالَ تَعَالَى :(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا آمَنُوا ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِيمَانِ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، وَهُوَ اللهُ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ الَّتِي وَرَدَ بِهَا النَّقْلُ الصَّرِيحُ، وَأَثْبَتَهَا الْعَقْلُ الصَّحِيحُ، وَالْوَحْيُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، وَالْبَعْثُ وَالْجَزَاءُ، فَهَذِهِ هِيَ الْأُصُولُ الَّتِي كَانَ يَدْعُو إِلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمَنْ صَدَّقَهُمْ فِيهَا كَانَ مُؤْمِنًا وَيُصَدِّقُ بِمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ التَّفْصِيلِ.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ) : وَلَا بُدَّ فِي تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ مِنَ الْيَقِينِ، وَلَا يَقِينَ إِلَّا بِبُرْهَانٍ قَطْعِيٍّ لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ وَالِارْتِيَابَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبُرْهَانُ عَلَى الْأُلُوهِيَّةِ وَالنُّبُوَّةِ عَقْلِيًّا، وَإِنْ كَانَ الْإِرْشَادُ إِلَيْهَا سَمْعِيًّا، وَلَكِنْ (لَا يَنْحَصِرُ الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ الْمُؤَدِّي إِلَى الْيَقِينِ فِي تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي وَضَعَهَا الْمُتَكَلِّمُونَ وَسَبَقَهُمْ إِلَى كَثِيرٍ مِنْهَا الْفَلَاسِفَةُ الْأَقْدَمُونَ، وَقَلَّمَا تَخْلُصُ مُقَدِّمَاتُهَا مِنْ خَلَلٍ، أَوْ
تَصِحُّ طُرُقُهَا مِنْ عِلَلٍ، بَلْ قَدْ يَبْلُغُ أُمِّيٌّ عِلْمَ الْيَقِينِ بِنَظْرَةٍ صَادِقَةٍ فِي ذَلِكَ الْكَوْنِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ فِي نَفْسِهِ إِذَا تَجَلَّتْ بِغَرَائِبِهَا عَلَيْهِ، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ أُولَئِكَ الْأُمِّيِّينَ مَا لَا يَلْحَقُهُ فِي يَقِينِهِ آلَافٌ مِنْ أُولَئِكَ الْمُتَفَنِّنِينَ، الَّذِينَ أَفْنَوْا أَوْقَاتَهُمْ فِي تَنْقِيحِ الْمُقَدِّمَاتِ وَبِنَاءِ الْبَرَاهِينِ، وَهُمْ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ أَدْنَى الْمُقَلِّدِينَ).


الصفحة التالية
Icon