ثُمَّ وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْبِشَارَةَ بِقَوْلِهِ :(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) وَأَطْلَقَ فِي هَذَا أَيْضًا كَمَا أَطْلَقَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ بِالْإِجْمَالِ، وَذَلِكَ كَافٍ فِي التَّرْغِيبِ فِيهِ وَجَعْلِهِ تَابِعًا لِلْإِيمَانِ مُتَّصِلًا بِهِ وَلَازِمًا مِنْ لَوَازِمِهِ، وَبَيَّنَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ بِالتَّفْصِيلِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :(لَيْسَ الْبَرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) إِلَخْ وَكَالْآيَاتِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ (الْمُؤْمِنُونَ) وَآخِرِهَا وَآخِرِ سُورَةِ (الْفُرْقَانِ) وَأَوَائِلِ سُورَةِ (الْمَعَارِجِ) وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ : إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْدَعَ فِي نُفُوسِهِمْ مَا يُمَيِّزُونَ بِهِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ يَضِلُّ بِانْحِرَافٍ يَطْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُخْرِجُهَا عَنِ الِاعْتِدَالِ الْفِطْرِيِّ ثُمَّ يَضِلُّ بِضَلَالِهِ آخَرُونَ، فَتَكُونُ التَّقَالِيدُ وَالْعَادَاتُ النَّاشِئَةُ عَنْ هَذَا الضَّلَالِ هِيَ الْمِيزَانُ عِنْدَ الضَّالِّينَ فِي مَعْرِفَةِ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ لَا أَصْلُ الْهِدَايَةِ الْفِطْرِيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - :(كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى