و " من " في ﴿ منها ﴾ وفي ﴿ من ثمرة ﴾ لابتداء الغاية كما لو قلت : رزقني فلان فيقال : من أين؟ فتقول : من بستانه. فيقال : من أي ثمرة؟ فتقول : من الرمان. فالرزق قد ابتدئ من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدئ من ثمرة وليس المراد بالثمرة التفاحة الواحدة والرمانة الفذة على هذا التفسير، وإنما المراد النوع من أنواع الثمار، ووجه اخر وهو أن يكون ﴿ من ثمرة ﴾ بياناً على منهاج قولك " رأيت منك أسداً " تريد أنت أسد. وعلى هذا يصح أن يراد بالثمرة النوع من الثمار والجناة الواحدة، لأن التفاحة الواحدة مثلاً يصدق عليها أنها رزق، كما أن نوع التفاح يصدق عليه ذلك، بخلاف ابتداء الرزق من الجنات فإن ذلك إنما يكون بنوع التفاح أولاً، وبالذات وبشخصه ثانياً، وبالعرص لأن التشخص أمر زائد على حقيقة الشيء فاعلم. وانتصاب ﴿ رزقاً ﴾ على أنه مفعول ثانٍ ﴿ رزقوا ﴾ ومعنى ﴿ هذا الذي ﴾ أي هذا مثل الذي رزقنا من قبل نحو " أبو يوسف أبو حنيفة " لأن ذات الذي رزقوه في الجنة لا تكون هي ذات الذي رزقوه في الدنيا. والضمير في قوله ﴿ وأتوا به ﴾ يرجع إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً، لأن قوله ﴿ هذا الذي رزقنا من قبل ﴾ انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين. والغرض في تشابه ثمر الدنيا وثمر الآخرة أن الإنسان بالمألوف آنس وإلى المعهود أميل، ولأنه إذا ظفر بشيء من جنس ما سلف له به عهد، ورأى فيه مزية ظاهرة أفرط ابتهاجه وطال استعجابه وتبين كنه النعمة فيه. فإذا أبصروا الرمانة والنبقة في الدنيا وحجمها، ثم أبصروا رمانة الجنة تشبع السكن، والنبقة كقلال هجر، كما يرون الشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعه، كان ذلك أبين للفضل وأزيد في التعجب من أن يفاجؤا ذلك الرمان وذلك النبق من غير عهد سابق بجنسهما. وترديدهم هذا القول ونطقهم به عند كل ثمرة يرزقونها، دليل على تناهي الأمر في ظهور المزية وكمال الاستغراب في كل أوان. عن


الصفحة التالية
Icon