ومن فوائد أبى السعود فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿وَبَشّرِ الذين ءامَنُواْ﴾ أي بأنه منزلٌ من عند الله عز وجل، وهو معطوف على الجملة السابقة لكن لا على أن المقصودَ عطفُ نفس الأمرِ حتى يُطلبَ له مَشاكِلٌ يصِحُّ
عطفَه عليه، بل على أنه عطفُ قصةِ المؤمنين بالقرآن، ووصفِ ثوابهم، على قصة الكافرين به وكيفيةِ عقابهم، جرياً على السُنة الإلهية من شفْع الترغيب بالترهيب، والوعدِ بالوعيد، وكان تغييرُ السبك لتخييل كمالِ التباين بين حالي الفريقين، وقرىء وبُشرِّ على صيغة الفعل مبنياً للمفعول عطفاً على أعِدَّت، فيكونُ استئنافاً، وتعليقُ التبشير بالموصول للإشعار بأنه معلل بما في حيز الصلة من الإيمان والعمل الصالح، لكن لا لذاتهما، فإنهما لا يكافِئان النعمَ السابقة فضلاً من أن يقتضِيا ثواباً فيما يستقبل، بل بجعل الشارعِ، ومقتضى وعدِه وجعل صلتِه فعلاً مفيداً للحدوث بعد إيرادِ الكفارِ بصيغة الفاعل لحثِّ المخاطبين بالاتقاء على إحداث الإيمان، وتحذيرِهم من الاستمرار على الكفر، والخطابُ للنبي ﷺ، وقيل : لكل من يتأتَّى منه التبشير، كما في قوله عليه السلام :" بشر المشّائين إلى المساجد في ظلم الليالي بالنور التام يوم القيامة " فإنه عليه السلام لم يأمُر بذلك واحداً بعينه بل كلَّ أحد ممن يتأتى منه ذلك، وفيه رمزٌ إلى أن الأمر لعِظَمه وفخامة شأنه حقيقٌ بأن يتولى التبشيرَ به كلُّ من يقدر عليه، والبِشارة الخبرُ السار الذي يظهر به أثر السرور في البشرة، وتباشيرُ الصبح أوائلُ ضوئه ﴿وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ الصالحة كالحسنة في الجريان مَجرى الاسم، وهي كلُّ ما استقام من الأعمال بدليل العقلِ والنقلِ، واللام للجنس، والجمعُ لإفادة أن المرادَ بها جملةٌ من الأعمال الصالحة التي أشير إلى أمهاتها في مطلع السورةِ الكريمة، وطائفةٌ منها متفاوتةٌ حسبَ تفاوتِ حال المكلفين في مواجب التكليف، وفي عطف العملِ على الإيمان دلالةٌ على


الصفحة التالية
Icon