فالجمع على اللفظ، والإفراد على تأويل الجماعة، وقرىء ( مطَّهِرة ) بتشديد الطاء وكسر الهاء بمعنى متطهرة ومطَّهِرة أبلغُ من طاهرة ومتطهرة، للإشعار بأن مُطَهِّراً طهرهن، وما هو إلا الله سبحانه وتعالى. وأما التطهر فيحتمل أن يكون من قبل أنفسهن كما عند اغتسالهن، والزوجُ يطلق على الذكر والأنثى، وهو في الأصل اسم لما له قرينٌ من جنسه، وليس في مفهومه اعتبارُ التوالد الذي هو مدارُ بقاءِ النوعِ حتى لا يصِحَّ إطلاقُه على أزواج أهلِ الجنة لخلودهم فيها، واستغنائهم عن الأولاد، كما أن المداريةَ لبقاء الفردِ ليست بمعتبرة في مفهومِ اسمِ الرزق حتى يُخِلَّ ذلك بإطلاقه على ثمار الجنة.
﴿وَهُمْ فِيهَا خالدون﴾ أي دائمون، والخلودُ في الأصل الثباتُ المديد دامَ أو لم يدُمْ، ولذلك قيل : للأثافي والأحجارِ الخوالدُ وللجُزءِ الذي يبقى من الإنسان على حاله خالد، ولو كان وضعه للدوام لما قُيِّد بالتأبيد في قوله عز وعلا :﴿خالدين فِيهَا أَبَداً﴾ ولَما استُعمل حيث لا دوام فيه لكن المرادَ ههنا الدوامُ قطعاً لما يُفضي به من الآيات والسنن، وما قيل من أن الأبدانَ مؤلفةٌ من الأجزاءِ المتضادة في الكيفية معرَّضة للاستحالات المؤديةِ إلى الانحلال والانفكاكِ مدارُه قياسُ ذلك العالمِ الكاملِ بما يشاهَد في عالم الكوْن والفساد، على أنه يجوز أن يُعيدَها الخالق تعالى بحيث لا يعتوِرُها الاستحالة، ولا يعتريها الانحلالُ قطعاً، بأن تُجعلَ أجزاؤها متفاوتةً في الكيفيات متعادلةً في القوى، بحيث لا يقْوَى شيءٌ منها عند التفاعُل على إحالةِ الآخر، متعانقةً متلازمةً لا ينفك بعضُها عن بعض، وتبقى هذه النسبةُ متحفظةً فيما بينها أبداً لا يعتريها التغيرُ بالأكل والشرب والحركات وغيرِ ذلك.


الصفحة التالية
Icon