إن رسول الله ﷺ ذكر الجنة فقال :" نهران باطنان : الفرات والنيل، ونهران ظاهران : سيحان وجيحان " وفي رواية سيحون وجيحون، وعن أنس قال : سئل رسول الله ﷺ عن ماء الكوثر قال :" ذاك نهر أعطانيه الله تعالى، يعني في الجنة، ماؤه وأشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل " الحديث.
وإن كانت أنهاراً كثيرة فيكون ذلك من إجراء جمع القلة مجرى جمع الكثرة، كما جاء العكس على جهة التوسع والمجاز لاشتراكهما في الجمعية.
﴿كلما رزقوا﴾، تقدّم الكلام على كلما عند قوله تعالى :﴿كلما أضاء لهم﴾، وبينا كيفية التكرار فيها على خلاف ما يفهم أكثر الناس، والأحسن في هذه الجملة أن تكون مستأنفة لا موضع لها من الإعراب، وأنه لما ذكر أن من آمن وعمل الصالحات لهم جنات صفتها كذا، هجس في النفوس حيث ذكرت الجنة الحديث عن ثمار الجنات، وتشوقت إلى ذكر كيفية أحوالها، فقيل لهم :﴿كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً﴾
﴿قالوا هذا الذي رزقنا من قبل﴾، قالوا : هو العامل في كلما، وهذا الذي : مبتدأ معمول للقول.
فالجملة في موضع مفعول، والمعنى : هذا، مثل : الذي رزقنا، فهو من باب ما الخبر شبه به المبتدأ، وإنما احتيج إلى هذا الإضمار، لأن الحاضر بين أيديهم في ذلك الوقت يستحيل أن يكون عين الذي تقدم إن رزقوه، ثم هذه المثلية المقدرة حذفت لاستحكام الشبه، حتى كأن هذه الذات هي الذات، والعائد على الذي محذوف، أي رزقناه، ومن متعلقة برزقاً، وهي لابتداء الغاية.
وقيل : مقطوع عن الإضافة، والمضاف إليه معرفة محذوف لدلالة المعنى عليه وتقديره من قبله : أي من قبل المرزوق.
واختلف المفسرون في تفسير ذلك، فقال ابن عباس، والضحاك، ومقاتل : معناه رزق الغداة كرزق العشي.
وقال يحيى بن أبي كثير، وأبو عبيد : ثمر الجنة إذا جني خلفه مثله، فإذا رأوا ما خلف المجني اشتبه عليهم.


الصفحة التالية
Icon