وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾
قال قتادة : ضمّه إليه، وأنزله معه.
وقيل : أمر أن ينزل كل اثنين في منزل، فبقي أخوه منفرداً فضمّه إليه وقال : أشفقت عليه من الوحدة، وقال له سِرًّا من إخوته :﴿ إني أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ ﴾ أي لا تحزن ﴿ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السقاية فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾ لما عرف بنيامين أنه يوسف قال له : لا تردّني إليهم، فقال : قد علمت اغتمام يعقوب بي فيزداد غمّه، فأبى بنيامين الخروج ؛ فقال يوسف : لا يمكن حبسك إلا بعد أن أنسبك إلى ما لا يجمل بك : فقال : لا أبالي! فدس الصاع في رحله ؛ إما بنفسه من حيث لم يطلع عليه أحد، أو أَمَر بعض خواصّه بذلك.
والتّجهيز التسريح وتنجيز الأمر ؛ ومنه جَهّز على الجريح أي قتله، ونجّز أمره.
والسقاية والصواع شيء واحد ؛ إناء له رأسان في وسطه مَقْبِض، كان الملك يشرب منه من الرأس الواحد، ويكال الطعام بالرأس الآخر ؛ قاله النقاش عن ابن عباس، وكل شيء يشرب به فهو صواع ؛ وأنشد :
نَشربُ الخمرَ بالصّواع جِهَارًا...
واختلف في جنسه ؛ فروى شعبة عن أبي بِشر عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس قال : كان صواع الملك شيء من فضة يشبه الْمَكُّوك، من فضة مرصع بالجوهر، يجعل على الرأس ؛ وكان للعباس واحد في الجاهلية، وسأله نافع بن الأزرق ما الصواع؟ قال : الإناء ؛ قال فيه الأعشى :
له دَرْمَكٌ في رأسه ومَشارِبٌ...
وقِدْرٌ وطَبَّاخٌ وصاعٌ ودَيسَقُ
وقال عِكرمة : كان من فضة.
وقال عبد الرحمن بن زيد : كان من ذهب ؛ وبه كال طعامهم مبالغة في إكرامهم.
وقيل : إنما كان يكال به لعزّة الطعام.
والصاع يذكّر ويؤنّث ؛ فمن أنّثه قال : أَصْوُع ؛ مثل أَدْوُر، ومن ذكّره قال أَصْوَاع ؛ مثل أثواب.


الصفحة التالية
Icon