وشذّ أبو يوسف ومحمد فأجازا الكفالة في الحدود والقصاص، وقالا : إذا قال المقذوف أو المدعي القصاص بينتي حاضرة كفله ثلاثة أيام ؛ واحتج لهم الطحاويّ بما رواه حمزة بن عمرو عن عمر وابن مسعود وجرير بن عبد الله والأشعث أنهم حكموا بالكفالة بالنفس بمحضر الصحابة.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ تالله لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض ﴾
يروى أنهم كانوا لا ينزلون على أحد ظلماً، ولا يرعون زرع أحد، وأنهم جمعوا على أفواه إبلهم الأكِمَّة لئلا تعيث في زروع الناس.
ثم قال :﴿ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ يروى أنهم ردّوا البضاعة التي كانت في رِحالهم ؛ أي فمن ردّ ما وجد فكيف يكون سارقا؟ا
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ المعنى : فما جزاء الفاعل إن بان كذبكم؟ فأجاب إخوة يوسف :﴿ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ أي يُسْتعبَد ويُسْتَرقّ.
"فَجَزَاؤُهُ" مبتدأ، و "مَنْ وُجِدَ فيِ رَحْلِهِ" خبره ؛ والتقدير : جزاؤه استعباد من وُجِد في رحله ؛ فهو كناية عن الاستعباد ؛ وفي الجملة معنى التوكيد، كما تقول : جزاء من سرق القطع فهذا جزاؤه.
﴿ كذلك نَجْزِي الظالمين ﴾ أي كذلك نفعل في الظالمين إذا سرقوا أن يُستَرقُّوا، وكان هذا من دين يعقوب عليه السلام وحكمه.
وقولهم هذا قول من لم يَسْتَرب نفسه ؛ لأنهم التزموا استرقاق من وجد في رحله، وكان حكم السارق عند أهل مصر أن يغرم ضعفي ما أخذ ؛ قاله الحسن والسدّي وغيرهما.
مسألة : قد تقدّم في سورة "المائدة" أن القطع في السرقة ناسخ لما تقدّم من الشرائع، أو لما كان في شرع يعقوب من استرقاق السارق، والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon