والرابع : نقل أن يعقوب عليه السلام قال لهم : فهب أنه سرق ولكن كيف عرف الملك أن شرع بني إسرائيل أن من سرق يسترق، بل أنتم ذكرتموه له لغرض لكم فقالوا عند هذا الكلام : أنا قد ذكرنا له هذا الحكم قبل وقوعنا في هذه الواقعة وما كنا نعلم أن هذه الواقعة نقع فيها فقوله :﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافظين﴾ إشارة إلى هذا المعنى.
فإن قيل : فهل يجوز من يعقوب عليه السلام أن يسعى في إخفاء حكم الله تعالى على هذا القول.
قلنا : لعله كان ذلك الحكم مخصوصاً بما إذا كان المسروق منه مسلماً فلهذا أنكر ذكر هذا الحكم عند الملك الذي ظنه كافراً.
ثم حكى تعالى عنهم أنهم قالوا :﴿واسئل القرية التى كُنَّا فِيهَا والعير التى أَقْبَلْنَا فِيهَا ﴾.
واعلم أنهم لما كانوا متهمين بسبب واقعة يوسف عليه السلام بالغوا في إزالة التهمة عن أنفسهم فقالوا :﴿واسئل القرية التى كُنَّا فِيهَا﴾ والأكثرون اتفقوا على أن المراد من هذه القرية مصر وقال قوم، بل المراد منه قرية على باب مصر جرى فيها حديث السرقة والتفتيش، ثم فيه قولان : الأول : المراد واسأل أهل القرية إلا أنه حذف المضاف للإيجاز والاختصار، وهذا النوع من المجاز مشهور في لغة العرب قال أبو علي الفارسي ودافع جواز هذا في اللغة كدافع الضروريات وجاحد المحسوسات.
والثاني : قال أبو بكر الأنباري المعنى : اسأل القرية والعير والجدار والحيطان فإنها تجيبك وتذكر لك صحة ما ذكرناه لأنك من أكابر أنبياء الله فلا يبعد أن ينطق الله هذه الجمادات معجزة لك حتى تخبر بصحة ما ذكرناه، وفيه وجه ثالث، وهو أن الشيء إذا ظهر ظهوراً تاماً كاملاً فقد يقال فيه، سل السماء والأرض وجميع الأشياء عنه، والمراد أنه بلغ في الظهور إلى الغاية التي ما بقي للشك فيه مجال.
أما قوله :﴿والعير التى أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ فقال المفسرون كان قد صحبهم قوم من الكنعانيين فقالوا : سلهم عن هذه الواقعة.


الصفحة التالية
Icon