قيل إن روبيل لما عزم على الإقامة بمصر أمره الملك أن يذهب مع إخوته فقال أتركوني وإلا صحت صيحة لا تبقى بمصر امرأة حامل إلا وتضع حملها فقال يوسف دعوه ولما رجع القوم إلى يعقوب عليه السلام وأخبروه بالواقعة بكى وقال : يا بني لا تخرجوا من عندي مرة إلا ونقص بعضكم، ذهبتم مرة فنقص يوسف، وفي الثانية نقص شمعون، وفي هذه الثالثة نقص روبيل وبنيامين، ثم بكى وقال : عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً وإنما حكم بهذا الحكم لوجوه : الأول : أنه لما طال حزنه وبلاؤه ومحنته علم أنه تعالى سيجعل له فرجاً ومخرجاً عن قريب فقال ذلك على سبيل حسن الظن برحمة الله.
والثاني : لعله تعالى قد أخبره من بعد محنة يوسف أنه حي أو ظهرت له علامات ذلك وإنما قال :﴿عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا﴾ لأنهم حين ذهبوا بيوسف كانوا إثني عشر فضاع يوسف وبقي أحد عشر، ولما أرسلهم إلى مصر عادوا تسعة لأن بنيامين حبسه يوسف واحتبس ذلك الكبير الذي قال :﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض حتى يَأْذَنَ لِى أَبِى أَوْ يَحْكُمَ الله لِى﴾ [ يوسف : ٨٠ ] فلما كان الغائبون ثلاثة لا جرم ﴿قَالَ عسى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا ﴾.
ثم قال :﴿إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم﴾ يعني هو العالم بحقائق الأمور الحكيم فيها على الوجه المطابق للفضل والإحسان والرحمة والمصلحة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٨ صـ ١٤٩ ـ ١٥٣﴾