ثم قال تعالى :﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ واختلفوا في أن الضمير في قوله :﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ﴾ إلى أي شيء يعود على قولين قال الزجاج : فأسرها إضمار على شريطة التفسير، تفسيره أنتم شر مكاناً وإنما أنث لأن قوله :﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ جملة أو كلمة لأنهم يسمون الطائفة من الكلام كلمة كأنه قال : فأسر الجملة أو الكلمة التي هي قوله :﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ وفي قراءة ابن مسعود ﴿فَأَسْرِ﴾ بالتذكير يريد القول أو الكلام وطعن أبو علي الفارسي في هذا الوجه فيما استدركه على الزجاج من وجهين :
الوجه الأول : قال الإضمار على شريطة التفسير يكون على ضربين : أحدهما : أن يفسر بمفرد كقولنا : نعم رجلاً زيد ففي نعم ضمير فاعلها، ورجلاً تفسير لذلك الفاعل المضمر والآخر أن يفسر بجملة وأصل هذا يقع في الابتداء كقوله :﴿فَإِذَا هِىَ شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ﴾ [ الأنبياء : ٩٧ ] ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ [ الصمد : ١ ] والمعنى القصة شاخصة أبصار الذين كفروا والأمر الله أحد.
ثم إن العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر تدخل عليه أيضاً نحو إن كقوله :﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً﴾ [ طه : ٧٤ ] ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار﴾ [ الحج : ٤٦ ].
إذا عرفت هذا فنقول : نفس المضمر على شريطة التفسير في كلا القسمين متصل بالجملة التي حصل منها الإضمار، ولا يكون خارجاً عن تلك الجملة ولا مبايناً لها.
وههنا التفسير منفصل عن الجملة التي حصل منها الإضمار فوجب أن لا يحسن.
والثاني : أنه تعالى قال :﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ وذلك يدل على أنه ذكر هذا الكلام، ولو قلنا : إنه عليه السلام أضمر هذا الكلام لكان قوله أنه قال ذلك كذباً.
واعلم أن هذا الطعن ضعيف لوجوه :
أما الأول : فلأنه لا يلزم من حسن القسمين الأولين قبح قسم ثالث.