اعلم أنه تعالى بين أنهم بعد الذي ذكروه من قولهم :﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ [ يوسف : ٧٧ ] أحبوا موافقته والعدول إلى طريقة الشفاعة فإنهم وإن كانوا قد اعترفوا أن حكم الله تعالى في السارق أن يستعبد، إلا أن العفو وأخذ الفداء كان أيضاً جائزا، فقالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً أي في السن، ويجوز أن يكون في القدر والدين، وإنما ذكروا ذلك لأن كونه ابناً لرجل كبير القدر / يوجب العفو والصفح.
ثم قالوا :﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ﴾ يحتمل أن يكون المراد على طريق الاستبعاد ويحتمل أن يكون المراد على طريق الرهن حتى نوصل الفداء إليك.
ثم قالوا :﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ وفيه وجوه : أحدها : إنا نراك من المحسنين لو فعلت ذلك.
وثانيها : إنا نراك من المحسنين إلينا حيث أكرمتنا وأعطيتنا البذل الكثير وحصلت لنا مطلوبنا على أحسن الوجوه ووردت إلينا ثمن الطعام.
وثالثها : نقل أنه عليه السلام لما اشتد القحط على القوم ولم يجدوا شيئاً يشترون به الطعام، وكانوا يبيعون أنفسهم منه فصار ذلك سبباً لصيرورة أكثر أهل مصر عبيداً له ثم إنه أعتق الكل، فلعلهم قالوا :﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ إلى عامة الناس بالإعتاق فكن محسناً أيضاً إلى هذا الإنسان بإعتاقه من هذه المحنة، فقال يوسف :﴿مَعَاذَ الله﴾ أي أعود بالله معاذاً أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، أي أعوذ بالله أن آخذ بريئاً بمذنب قال الزجاج : موضع "أن" نصب والمعنى : أعوذ بالله من أخذ أحد بغيره فلما سقطت كلمة "من" انتصب الفعل عليه وقوله :﴿إِنَّا إِذًا لظالمون﴾ أي لقد تعديت وظلمت إن آذيت إنساناً بجرم صدر عن غيره.