ومادة " كظم " تدور على المنع من الإظهار، يلزمه الكرب - لأنه من شأن الممنوع مما قد امتلأ منه، ويلزمه الامتلاء، لأن ما دونه ليس فيه قوة الظهور، كظم غيظه -إذا سكت بعد امتلائه منه، وكظمت السقاء - إذا ملأته وسددته، وكظم البعير جرته - إذا ردها وكف، والكظم : مخرج النفس، لأنه به يمنع من الجري في هواه ؛ والكظامة : حبل يشد به خرطوم البعير، لمنعه مما يريد، وأيضاً يوصل بوتر القوس العربية ثم يدار بطرف السية العليا، منعاً له من الانحلال وأيضاً قناة في باطن الأرض يجري فيهما الماء، لأنه يمنع الماء من أن يأخذ في هواه فيرتفع في موضع النبع فيظهر على وجه الأرض، وخرق يجري فيه الماء من بئر إلى بئر، لأنه لا يصنع إلا عند ضعف إحدى البئرين، فلولاه لفاضت القوية، فهو تصريف لمائها في غير وجهه، وكظامة الميزان : المسمار الذي يدور فيه اللسان، لأنه يربطه فيمنعه من الانفكاك، ويقال : ما زلت كاظماً يومي كله، أي ممسكاً عن الأكل وقد امتلأت جوعاً، وقد يطلق على مطلق النبع، ومنه كاظمة - لقرية على شاطىء البحر، لأن البحر قد كظمها عن الانفساح وكذا هي منعته عن الانسياح.
فلما رأوا أنه قد فاتهم ما ظنوا أنه يكون بعد ذهاب يوسف من صلاح الحال مع أبيهم بقصر الإقبال عليهم، ووقع لأبيهم هذا الفادح العظيم، تشوف السامع إلى قولهم له، فاستأنف الإخبار عنه بقوله :﴿قالوا﴾ أي حنقاً من ذلك ﴿تالله﴾ أي الملك الأعظم، يميناً فيها تعجب ﴿تفتئوا﴾ أي ما تزال ﴿تذكر يوسف﴾ حريصاً على ذكره قوياً عليه حرص الفتى الشاب الجلد الصبور على مراده ﴿حتى﴾ أي إلى أن ﴿تكون حرضاً﴾ أي حاضر الهلاك مشرفاً عليه متهيئاً له بدنف الجسم وخبل العقل - كما مضى بيانه في الأنفال عند ﴿حرض المؤمنين على القتال﴾ ﴿أو تكون﴾ أي كوناً لازماً هو كالجبلة ﴿من الهالكين ﴾.