وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام : بكى على ولده إبراهيم عليه السلام وقال :" إن القلب ليحزن والعين تدمع، ولا نقول : ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون " وأيضاً فاستيلاء الحزن على الإنسان ليس باختياره، فلا يكون ذلك داخلاً تحت التكليف وأما التأوه وإرسال البكاء فقد يصير بحيث لا يقدر على دفعه، وأما ما ورد في الروايات التي ذكرتم فالمعاتبة فيها إنما كانت لأجل أن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وأيضاً ففيه دقيقة أخرى وهي أن الإنسان إذا كان في موضع التحير والتردد لا بد وأن يرجع إلى الله تعالى، فيعقوب عليه السلام ما كان يعلم أن يوسف بقي حياً أم صار ميتاً، فكان متوقفاً فيه وبسبب توقفه كان يكثر الرجوع إلى الله تعالى وينقطع قلبه عن الالتفات عن كل ما سوى الله تعالى إلا في هذه الواقعة، وكان أحواله في هذه الواقعة مختلفة، فربما صار في بعض الأوقات مستغرق الهم بذكر الله تعالى، فإن عن تذكر هذا الواقعة، فكان ذكرها كلا سواها، فلهذا السبب صارت هذا الواقعة بالنسبة إليه، جارية مجرى الإلقاء في النار للخليل عليه السلام ومجرى الذبح لابنه الذبيح.
فإن قيل : أليس أن الأولى عند نزول المصيبة الشديدة أن يقول :﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون﴾ [ البقرة : ١٥٦ ] حتى يستوجب الثواب العظيم المذكور في قوله :﴿أولئك عَلَيْهِمْ صلوات مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وأولئك هُمُ المهتدون﴾ [ البقرة : ١٥٧ ].


الصفحة التالية
Icon