فنفحص عن أقاويلكم إن كنتم نطقتم بالحق والقسط، وإلا وحق فرعون! إنكم طلائع، فقذفهم في الحبس ثلاثة أيام، ودعا بهم يوسف عليه الصلاة والسلام في اليوم الثالث، وقال لهم : افعلوا ما آمركم به فتحيوا، فإني أراقب الله فيكم، إن كنتم أبرياء فليحبس أحدكم في محبسكم وانطلقوا أنتم بالميرة للجوع الذي في بيوتكم، فأتوني بأخيكم الأصغر فأصدق قولكم ولا تموتوا، ففعلوا كما أمرهم، فقال كل امرىء منهم لصاحبه : حقاً إنا قد استوجبنا السجن على أخينا إذ رأينا كرب نفسه إذا كان يتضرع إلينا فلم نرحمه ولم نتراءف عليه، فمن أجل ذلك نزلت بنا هذه البلية والشر، فأجاب روبيل وقال لهم : ألم أقل لكم : لا تأثموا بالغلام، فلم تقبلوا، وهو ذا الآن نحن مطالبون بدمه.
ولم يعلموا أن يوسف يفهم كلامهم، لأنه أوقف ترجماناً بينه وبينهم، فتنحى عنهم فبكى، ثم رجع إليهم يكلمهم، ثم أخذ منهم شمعون فأوثقه تجاههم.
وأمر يوسف بملء أوعيتهم ميرة، وأمر برد ورق كل امرىء منهم في وعائه، وأن يزودوا زاداً للطريق، ففعل ذلك بهم كما أمر يوسف عليه السلام، فحملوا ميرتهم على حميرهم وانطلقوا، ففتح بعضهم وعاءه ليلقي قضيماً لحماره في مبيتهم.
فرأى ورقه موضوعاً على طرف حمولته.
فقال لإخوته : ورقي رد إليّ وهو ذا على طرف حمولتي، فارتجفت قلوبهم وفزعت نفوسهم، وتعجب كل امرىء منهم، فقالوا : يا ليت شعري ما هذا الذي صنعه الله بنا! فأتوا يعقوب أباهم إلى أرض كنعان، فأخبروه بجميع ما عرض لهم وقالوا : إن الرجل سيد الأرض كلمنا بفظاظة وقساوة.
وحسبنا بمنزلة الجواسيس أتينا لنطالع الأرض، فقلنا : إنا أبرياء عدول، فلسنا بطلائع، فنحن اثنا عشر أخاً بنو أب واحد، فقد واحد منا والآخر عند أبينا يومنا هذا بأرض كنعان، فقال لنا الرجل سيد الأرض ورئيسها : بهذا أعلم بأنكم أبرار عدول، خلفوا عندي أحد إخوتكم، واحملوا ميرة للجوع الذي في بيوتكم.