﴿وقد أحسن﴾ أي أوقع إحسانه ﴿بي﴾ تصديقاً لما بشرتني به من إتمام النعمة، وتعدية ﴿أحسن﴾ بالباء أدل على القرب من المحسن من التعدية ب " إلى " وعبر بقوله :﴿إذا أخرجني من السجن﴾ معرضاً عن لفظ " الجب " حذراً من إيحاش إخوته مع أن اللفظ يحتمله احتمالاً خفياً ﴿وجاء بكم﴾ وقيل : إنهم كانوا أهل عمد وأصحاب مواش، يتنقلون في المياه والمناجع، فلذلك قال :﴿من البدو﴾ من أطراف بادية فلسطين، وذلك من أكبر النعم كما ورد في الحديث " من يرد الله به خيراً ينقله من البادية إلى الحاضرة " والبدو : بسيط من الأرض يرى فيه الشخص من بعيد، وأصله من الظهور، وأنس إخوته أيضاً بقوله مثبتاً الجار لأن مجيئهم في بعض أزمان البعد :﴿من بعد أن نزغ﴾ عبر بالماضي ليفهم أنه انقضى ﴿الشيطان﴾ أي أفسد البعيد المحترق بوسوسته التي هي كالنخس ﴿بيني وبين إخوتي﴾ حيث قسم النزع بينه وبينهم ولم يفضل أحداً من الفريقين فيه، ولم يثبت الجار إشارة إلى عموم الإفساد للبينين، كل ذلك إشارة إلى تحقق ما بشر به يعقوب عليه الصلاة والسلام من إتمام النعمة وكمال العلم والحكمة ؛ ثم علل الإحسان إليهم أجمعين بقوله :﴿إن ربي﴾ أي المحسن إليّ على وجوه فيها خفاء ﴿لطيف﴾ - أي يعلم دقائق المصالح وغوامضها، ثم يسلك - في إيصالها إلى المستصلح - سبيل الرفق دون العنف، فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك فهو اللطيف - قاله الرازي في اللوامع.
وهو سبحانه فاعل اللطف في تدبيره ورحمته ﴿لما يشاء﴾ لا يعسرعليه أمر ؛ ثم علل هذه العلة بقوله :﴿إنه هو﴾ أي وحده ﴿العليم﴾ أي البليغ العلم للدقائق والجلائل ﴿الحكيم﴾ أي البليغ الإتقان لما يصنعه طبق ما ختم به يعقوب عليه الصلاة والسلام بشراه في أول السورة، أي هو منفرد بالاتصاف بذلك لا يدانيه أحد في علم ليتعرض إلى أبطال ما يقيمه من الأسباب، ولا في حكمة ليتوقع الخلل في شيء منها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٩٨ ـ ٩٩﴾


الصفحة التالية
Icon