الوجه الأول : وهو قول ابن عباس في رواية عطاء أن المراد بهذه الآية أنهم خروا له أي لأجل وجدانه سجداً لله تعالى، وحاصل الكلام : أن ذلك السجود كان سجوداً للشكر فالمسجود له هو الله، إلا أن ذلك السجود إنما كان لأجله والدليل على صحة هذا التأويل أن قوله :﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا﴾ مشعر بأنهم صعدوا ذلك السرير، ثم سجدوا له، ولو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصعود على السرير لأن ذلك أدخل في التواضع.
فإن قالوا : فهذا التأويل لا يطابق قوله :﴿وَقَالَ يأَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رؤياى مِن قَبْلُ﴾ والمراد منه قوله :﴿إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ﴾ [ يوسف : ٤ ].
قلنا : بل هذا مطابق ويكون المراد من قوله :﴿والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ﴾ لأجلي أي أنها سجدت لله لطلب مصلحتي وللسعي في إعلاء منصبي، وإذا كان هذا محتملاً سقط السؤال.
وعندي أن هذا التأويل متعين، لأنه لا يستبعد من عقل يوسف ودينه أن يرضى بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولادة والشيخوخة والعلم والدين وكمال النبوة.
والوجه الثاني : في الجواب أن يقال : إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكراً لنعمة وجدانه.
وهذا التأويل حسن فإنه يقال : صليت للكعبة كما يقال : صليت إلى الكعبة.
قال حسان شعراً :
ما كنت أعرف أن الأمر منصرف.. عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم.. وأعرف الناس بالقرآن والسنن
وهذا يدل على أنه يجوز أن يقال فلان صلى للقبلة، وكذلك يجوز أن يقال سجد للقبلة وقوله :﴿وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا﴾ أي جعلوه كالقبلة ثم سجدوا لله شكراً لنعمة وجدانه.
الوجه الثالث : في الجواب قد يسمى التواضع سجوداً كقوله :
ترى الأكم فيها سجداً للحوافر..


الصفحة التالية