والوجه السادس : فيه أن يقال : لعل إخوته حملتهم الأنفة والاستعلاء على أن لا يسجدوا له على سبيل التواضع، وعلم يعقوب عليه السلام أنهم لو لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سبباً لثوران الفتن ولظهور الأحقاد القديمة بعد كمونها فهو عليه السلام مع جلالة قدره وعظم حقه بسبب الأبوة والشيخوخة والتقدم في الدين والنبوة والعلم فعل ذلك السجود، حتى تصير مشاهدتهم لذلك سبباً لزوال الأنفة والنفرة عن قلوبهم ألا ترى أن السلطان الكبير إذا نصب محتسباً فإذا أراد ترتيبه مكنه في إقامة الحسبة عليه ليصير ذلك سبباً في أن لا يبقى في قلب أحد منازعة ذلك المحتسب في إقامة الحسبة فكذا ههنا.
الوجه السابع : لعل الله تعالى أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها إلا هو كما أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم لحكمة لا يعرفها إلا هو، ويوسف ما كان راضياً بذلك في قلبه إلا أنه لما علم أن الله أمره بذلك سكت.
ثم حكى تعالى أن يوسف لما رأى هذه الحالة :﴿قَالَ يا أبت هذا تَأْوِيلُ رؤياى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّى حَقّا﴾ وفيه بحثان :